السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

ولما قال هؤلاء الكفار للرسل ذلك . { قالت } لهم { رسلهم } مجيبين { أفي الله شك } ، أي : هل تشكون في الله ؟ وهو استفهام إنكار ، أي : لا شك في توحيده للدلائل الظاهرة عليه منها قوله تعالى : { فاطر } ، أي : خالق { السماوات والأرض } ، أي : وما فيهما من الأنفس والأرواح والأرزاق ، وقرأ أبو عمرو رسلهم هنا وفيما مر في { جاءتهم رسلهم } بإسكان السين ، والباقون بالرفع . ولما أقاموا الدليل على وجود الله تعالى وصفوه بكمال الرحمة بقولهم : { يدعوكم } ، أي : إلى الإيمان ببعثنا وقولهم : { ليغفر لكم } اللام متعلقة بيدعو ، أي : لأجل غفران ذنوبكم كقوله :

دعوت لما نالني مسورا *** فلبى فلبى يدي مسور

ويجوز أن تكون معدية كقوله : دعوتك لزيد ، والتقدير : يدعوكم إلى غفران ذنوبكم وقوله : { من ذنوبكم } قال السيوطي : من زائدة فإنّ الإسلام يغفر به ما قبله ، أو تبعيضية لإخراج حقوق العباد اه . أي : والمغفور لهم ما بينهم وبين الله تعالى . قال الرازي : والعاقل لا يجوز له المصير إلى كلمة من كلام الله تعالى بأنها زائدة من غير ضرورة اه .

وقال في «الكشاف » : ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين كقوله : { واتقوه وأطيعون 3 يغفر لكم من ذنوبكم } [ نوح : 3 ، 4 ] { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم } [ الأحقاف ، 31 ] . وقال في خطاب المؤمنين : { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 11 يغفر لكم ذنوبكم } [ الصف : 11 ، 12 ] وغير ذلك مما يوقفك عليه الاستقراء ، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين ، وأن لا يسوّى بين الفريقين في المعاد اه . قال الرازي : وأما قول «الكشاف » فهو من باب الظلمات ؛ لأنّ هذا التبعيض إن حصل فلا حاجة إلى ذكر هذا الجواب ، وإن لم يحصل كان هذا الكلام فاسداً . { ويؤخركم } ، أي : ولا يفعل بكم فعل من تعهدون من الملوك في المعاجلة في الإهلاك لمن خالفهم بل يؤخركم . { إلى أجل مسمى } ، أي : إلى وقت قد سماه وبين مقداره يبلغكموه إن أنتم آمنتم به ، وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت إن أنتم ما آمنتم . فإن قيل : أليس قال تعالى : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [ الأعراف ، 34 ] فكيف قال هنا : { ويؤخركم إلى أجل مسمى } [ إبراهيم ، 10 ] ؟ أجيب : بأنّ الأجل على قسمين : معلق ومبرم . { قالوا } ، أي : الأمم مجيبين للرسل . { إن } ، أي : ما { أنتم } أيها الرسل { إلا بشر مثلنا } ، أي : لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوّة دوننا ولو أرسل الله تعالى إلى البشر رسلاً لجعلهم من جنس ، أي : من البشر في زعم القائلين أفضل ، وقول «الكشاف » : وهم الملائكة جار على مذهبه . { تريدون أن تصدّونا عما كان يعبد آباؤنا } ، أي : ما تريدون بقولكم هذا إلا صدّنا عن آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها { فأتونا بسلطان مبين } ، أي : بحجة ظاهرة على صدقكم .