اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

قوله تعالى : { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ } الآية لما قالوا للرُّسلِ : وإنا لفي شك ، قالت لهم رسلهم وهل تشكون في الله ، وهو فاطر السماوات ، والأرض وفاطر أنفسنا ، وأرواحنا ، وأرزاقنا إنَّا لا ندعوكم إلا لعبادة هذا الإله المنعم ، ولا نمنعكم إلا من عبادة غيره ، وهذه المعاني يشهد لها العقل بصحتها ، فكيف قلتم : وإنَّا لفي شكٍّ ؟ .

قوله : { أَفِي الله شَكٌّ } استفهام بمعنى الإنكار ، وفي " شكٌّ " وجهان :

أظهرهما : أنه فاعل بالجار قبله ، وجاز ذلك لاعتماده على الاستفهام .

والثاني : أنه مبتدأ ، وخبره الجار ، والأولى أولى ؛ بل كان ينبغي أن يتعين ؛ لأنه يلزم من الثاني الفصل لبين الصفة ، والموصوف بأجنبيّ ، وهو المبتدأ وهذا بخلاف الأوَّل ، فإن الفاصل ليس أجنبيًّا ، إذ هو فاعله ، والفاعل كالجزء من رافعه .

ويدلُّ على ذلك تجوزيهم : " مَا رَأيْتُ رجلاً أحْسنَ في عَيْنهِ الكُحْلُ مِنهُ في عَيْنِ زيْدٍ " بنصب " أحْسَنَ " صفة ورفع " الكُحْلُ " فاعلاً ب " أفعل " ولم يضر الفصل به بين " أفْعَلَ " وبين " مِنْ " لكونه كالخبر من رافعه ولم يجيزوا رفع : " أحْسَن " خبراً مقدماً ، و " الكُحْلُ " مبتدأ مؤخر لئلا يلزم الفصل بين " أفعل " وبين " من " بأجنبي .

ووجه الاستشهاد في هذه المسألة : أنَّهم جعلوا المبتدأ أجنبيًّا بخلاف الفاعل ولهذه المسألة موضع غير هذا .

وقرأ العامة " فاطِرِ " بالجر وفيه وجهان : النعت والبدلية .

قال أبو البقاء وفيه نظر ؛ لأنَّ الإبدال بالمشتقات يقلّ ولو جعله عطف بيان كان أسهل .

قال الزمخشريُّ{[19159]} : " أدخلت همزة الإنكار على الظرف ؛ لأنَّ الكلام ليس في الشكِّ إنَّما هو في المشكوك فيه ، وأنَّه لا يحتمل الشَّك لظهور الأدلَّة ، وشهادته عليه " .

قوله : { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ } اللام متعلقة بالدُّعاءِ ، أي : لأجل غفران ذنوبكم ؛ كقوله : [ المتقارب ]

دَعَوْتُ لمَّا نَابَنِي مِسْوراً *** فَلبَّى فَلَبَّيْ يدي مِسْورِ{[19160]}

ويجوز أن تكون اللام معدية كقولك : " دعوتك لزيد " ، وقوله : " إذا تدعون إلى الإيمان " ، والتقدير : يدعوكم إلى غفران ذنوبكم .

لما استفهم بمعنى نفي ما اعتقدوه ، أردفه بالدلائل الدالة على وجود الصانع المختار ، فقال : " فاطر السماوات والأرض " : أي خالق السماوات والأرض " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم " أي : ذنوبكم و " من " صلة ، وقيل : " من " تبعيضية ، وقيل : بمعنى البدل ، أي : بدل عقوبة ذنوبكم كقوله تعالى : { أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة } [ التوبة : 38 ] وسيأتي الكلام على هذه الوجوه .

{ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى حين استيفاء أجلكم ، ولا يعالجكم بالعذاب ، قال بعض العلماء : إن الفطرة شاهدة بوجود الصانع المختار قبل الوقوف على الدلائل ، وذلك من وجوه :

الأول : قال بعض العقلاء : إن من لطم وجه صبي لطمة ، فتلك اللطمة تدل على وجود الصانع المختار ، وعلى وجود التكليف ، وعلى وجود دار الجزاء ، وعلى وجود النبي صلى الله عليه وسلم .

أما دلالتهم على وجود الصانع ؛ فإن الصبي العاقل إذا لطم يصيح ويقول من ذا الذي لطمني ؟ وما ذاك إلا أن فطرته شاهدة بأن هذه اللطمة لما حدثت بعد عدمها موجب أن يكون حدوثها لأجل فعل فاعلها ، فلما شهدت فطرته الأصلية بافتقار ذلك الحادث الحقير إلى الفاعل ، فبأن تشهد جميع حوادث العالم بالافتقار إلى الفاعل أولى .

وأما دلالتها على وجود التكليف ؛ فبأن الصبي يصيح ويقول : ضربني ذلك الضارب ، وهذا يدل على أن فطرته شهدت بأن الأفعال الإنسانية داخلة تحت الأمر والنهي ، ومندرجة تحت التكليف ، وأن الإنسان ما خلق ليفعل ما اشتهى .

وأما دلالتها على وجود الجزاء فهو : أن ذلك الصبي يطلب بطبعة الجزاء على تلك اللَّطمة ولا يتركه ، فلما شهدت فطرته الأصلية بوجوب الجزاء على ذلك العمل القليل ، فبأن تشهد على وجوب الجزاء على جميع العباد والأعمال أولى .

وأما دلالتها على وجوب النبوة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فإنهم يحتاجون إلى إنسان يبين لهم مقدار العقوبة الواجبة في تلك الجناية ، كم هي ؟ ولا معنى للنبي إلا الإنسان الذي قدر هذه وبين هذه الأحكام ؛ فثبت أن فطرة العقل حاكمة بأن الإنسان لا بد له من هذه الأربعة .

الوجه الثاني : في أنَّ الإقرار بوجود الصَّانع بديهي : وهو أنَّ الفطرة شاهدة بأن حدوث دار بنقوش عجيبة ، وتركيبات لطيفة موافقة للحكمة ، والمصلحة تستحيلُ إلاَّ من نقاش عالم ، وبانٍ حكيمٍ ، ومعلوم أنَّ آثار الحكمة في العالم العلوي ، والسفلي أكثر من الآثار الموجودة في تلك الدار المختصرة ، فلمَّا شهدت الفطرة الأصليَّة بافتقار النَّقش إلى النَّقاش ، والبناء إلى البَاني ، فبأن تشهد بافتقار كل هذا العالم إلى الفاعل المختار الحكيم أولى .

الوجه الثالث : أنَّ الإنسان إذا وقع في محنة شديدة ، فإنه بأصل فطرته ، وخلقته يتضرَّع إلى من يخلصه منها ، وما ذاك إلاَّ شهادة فطرته بالافتقار إلى الصَّانع القادر المدبر .

الرابع : أن الموجود إمَّا أن يكون غنيًّا عن المؤثر ، أو لا يكون ، فإن كان غنياً عن المؤثر فهو الموجود الواجب لذاته ؛ لأنه لا معنى للواجب لذاته إلاَّ الموجود الذي لا حاجة له إلى غيره ، وإن لم يكن غنيًّا عن المؤثر فهو محتاج ، والمحتاجُ لا بد له من المحتاج إليه ، وذلك هو الصَّانع المختار .

الوجه الخامس : أن الاعتراف بوجود الصانع المختار المكلف وبوجود المعاد أحوط فوجب المصير إليه ، أما كون الإقرار بوجود الصَّانع أحوط لأنه لو لم يكن موجوداً فلا ضرر في الإقرار بوجوده ، وإن كان موجوداً ففي إنكاره أعظم المضار .

وأمَّا كون الإقرار بكونه فاعلاً مختاراً أحوط ، فلأنهن إن لم يكن موجوداً فلا خير في الإقرار بكمونه مختاراً .

أمَّا لو كان موجوداً ففي إنكار كونه مختاراً أعظم المضار .

وأما كون الإقرار بكونه مكلفاً لعباده أحوط ، فلأنه لو لم يكلف أحداً من عبيده شيئاً فلا ضرر في اعتقاد أنه كلف العباد ففي إنكار التكاليف أعظم المضار .

وأمَّا كون الإقرار [ بوجود ]{[19161]} المعاد أحوط ؛ فلأنه إن كان الحق أن لا معاد ؛ فلا ضرر في الإقرار بوجود المعاد فإنه لا يفوت إلا هذه اللذات الجسمانية ، وهني منقضية فانية ، فإن كان الحق وجوب المعاد ففي إنكاره أعظم المضار ، فظهر أن الإقرار بهذه المقامات أحوط فوجب المضير إليه ، لأن بديهة العقل حاكمة بوجوب دفع الضرر عن النَّفس بقدر الإمكان ، والله أعلم .

فصل

لما استدلْ بكونه فاطر السماوات والأرض وصف نفسه بكمال الرحمة والكرم ، والجود من وجهين :

الأول : قوله : { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } .

قال الزمخشريًُّ{[19162]} -رحمه الله- : " لو قال قائل : ما معنى التبعيض في قوله تعالى : { مِّن ذُنُوبِكُمْ } " ؟ .

ثم أجاب : فقال ما جاء هكذا إلاَّ في خطاب الكفار ، كقوله تعالى : { واتقوه وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } [ نوح : 3 ، 4 ] ، و{ يا قومنا أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } [ الأحقاف : 31 ] وقال في الخطاب للمؤمنين : { هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الصف : 10 ] إلى أن قال : { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [ الصف : 12 ] قال : والاستقراء يدلُّ على صحَّة ما ذكرناه .

ثم قال : وكان ذلك للتَّفرقة بين الخطابين لئلا يسوَّى بين الفريقين في المعاد .

وقيل : أريد به : يغفر لهم ما بينهم وبين الله بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم .

وقال الواحدي : قال أبو عبيدة : " مِنْ " زائدة ، وأنكر سيبويه زيادتها وإذا قلنا : ليست بزائدة ، ففيها وجهان :

أحدهما : أنه ذكر البعض هنا ، وأراد الجمع توسعاً .

والثاني : أن " مِنْ " ههنا للبدل ، أي : لتكون المغفرة بدلاً من الذُّنوبِ فدخلت " مِنْ " لتضمن المغفرة معنى إبدالها من الذُّنوبِ .

وقال القاضي{[19163]} : ذكر الأصم أنَّ كلمة " مِنْ " ههنا تفيد التبعيض ، أي : أنكم إذا [ تبتم ]{[19164]} يغفر لكم الذُّنوب التي هي من الكبائر ، وأمَّا التي تكون من الصغائر ، فلا حاجة إلى غفرانها ؛ لأنها في أنفسها مغفورة .

قال القاضي{[19165]} : وقد أبعد في هذا التأويل ؛ لأنَّ الكفار صغائرهم ، ككبائرهم لا تغفر إلا بالتَّوبة ، وإنما تكون الصَّغائر مغفورة من الموحدين من حيث يزيد ثوابهم على عقابهم فأمَّا من لا ثواب له أصلاً ، فلا يكون شيء من ذنوبه صغيرة ، فلا يغفر له شيء ، ثم قال : وفيه وجه آخر : وهو أنَّ الكافر قد ينسى بعض ذنوبه في حال توبته ، وإيمانه ؛ فلا يغفر له شيء من ذنوبه ، فلا تكون المغفرة إلا لما ذكره وتاب عنه .

فصل

قال ابن الخطيب{[19166]} : دلت الآية على أنه -تعالى- يغفر الذنوب من غير توبة في حق المؤمن ، لأنه قال { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } وعد بغفران الذنوب مطلقاً من غير اشتراط التوبة ؛ فوجب أن يغفر بعض الذنوب مطلقاً من غير التوبة ، وذلك البعض ليس هو الكفر لانعقاد الإجماع على أنه -تعالى- لا يغفر الكفر إلا بالتوبة عنه والدخول في الإيمان ؛ فوجب أن يكون البعض الذي يغفر من غير التوبة ما عدا الكفر من الذنوب .

فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إن كلمة " مِنْ " صلة على ما قاله أبو عبيدة أو نقول : المراد منه تمييز خطاب المؤمن عن الكافر على ما قاله الزمخشريُّ ، أو نقول : المراد تخصيص الغفران بالكبائر على ما قاله الأصم ، أو نقول : المراد منه الذنوب التي ذكرها الكافر عند إسلامه ، كما قاله القاضي .

فنقول هذه الوجوه بأسرها ضعيفة ، أمَّا كونها صلة فمعناه الحكم على كلمة من كلام الله -عزَّ وجلَّ- بأنَّها عبثٌ والعاقل لا يجوز له المصير إليه من غير ضرورة .

وأما قول الواحدي : المراد من كلمة " مِنْ " ههنا الكل فهو عين ما قاله أبو عبيدة ؛ لأن حاصه أنَّ قوله تعالى -جل ذكره- { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } أي : يغفر لكم ذنوبكم ، وهذا عينُ ما نقله عن أبي عبيدة ، وحكى عن سيبويه إنكاره .

وأما قوله : المراد منه إبدال السيئة بالحسنة ، فليس في اللغة أنَّ كلمة " مِنْ " تفيد الإبدال .

وأما قول الزمخشري{[19167]} : المراد تمييز خطاب المؤمنين من خطاب الكافرين بمزيد التشريف فهو من باب الطاعات ، لأن هذا التبعيض إن حصل ، فلا حاجة إلى ذكر هذا الجواب وإن لم يحصل كان هذا الكلام فاسداً .

وأما قول الأصم ، فقد سبق بطلانه .

وأمَّا قول القاضي{[19168]} : فجوابه أنَّ الكافر إذا أسلم ؛ غُفِرَت ذُنوبُه بأسرها ، لقوله -عليه السلام- : " التّائِبُ مِنَ الذنبِ كَمنْ لا ذَنْبَ لَهُ " {[19169]} .

وقال تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] فثبت أنَّ جميع ما ذكروه من التأويلات ضعيف ساقط ، بل المراد ما ذكرناه هو أنَّه يغفر بعض ذنوبه من غير توبةٍ ؛ بشرط أن يأتي بالإيمان ، فبأن تحصل هذه الحال للمؤمن أولى .

قال تعالى : { وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } . قيل : المعنى : إن آمنتم ، أخر الله موتكم إلى أجل مسمى ، وإلا عاجلكم بعذاب الاستئصال .

وقال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- : يمنعكم في الدُّنيا باللذات إلى الموت{[19170]} .

فِإن قيل : أليس قال : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] . فكيف قال هنا : { وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى } ؟ .

قلنا : تقدَّم الكلام في هذه المسألة في قوله : { ثُمَّ قضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى } في الأنعام{[19171]} .

ولما ذكر الرسل -عليهم الصلاة والسلام- هذا الكلام للكفار قالوا : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } وهذا الكلام يشتمل على ثلاثة أنواع من الشبه :

الأولى : أن الأشخاص الإنسانية متساوية في تمام الماهية فيتمنع أن يبلغ التفاوت بين تلك الأشخاص إلى هذا الحد وهو أن يكون الواحد منهم رسولاً من الله تعالى مطلعاً على الغيب ، مخالطاً لزمرة الملائكة ، والباقون غافلون عن هذه الأحوال أيضاً كانوا يقولون : إن كنت قد فارقتنا في هذه الأحوال العالية الإلهية الشريفة وجب أيضاً أن تفارقنا في الأحوال الخسيسة ، وهي الحاجة إلى الأكل ، والشرب ، والحديث والوقاع ، وهذه الشبهة هي المراد من قولهم { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } : أي في الصورة ولستم ملائكة ، وإنَّما تريدون بقولكم أن تصدُّونا عمَّا كان يعبد آباؤنا .

وهذه الشبهة الثانية : وهي التمسك بالتقليد ، وهي أنهم وجدوا آباءهم وعلماءهم مطبقين على عبادة الأوثان .

قالوا : ويبعد أن أولئك القدماء على كثرتهم وقوة خاطرهم لم يعرفوا بطلان هذا الدين .

الشبهة الثالثة : قالوا : المعجز لا يدلُّ على الصدق ؛ لأن الذي جاء به أولئك الرسل طعنوا فيه وزعموا أنَّها أمور معتادة ليست من باب المعجزات الخارجية عن قوَّة البشر ؛ فلذلك قالوا : " فأتُونَا بسُلْطانٍ مُبِينٍ " أي : بحجة بينة على صحَّة دعواكم .

قوله " تُرِيدُونَ " يجوز أن يكون صفة ثانية ل " بَشرٌ " وحمل على معناه ، لأنه بمنزلة القوم والرهط ، كقوله : { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [ التغابن : 6 ] وأن يكون مستأنفاً .

وقوله : " أنْ تَصدُّونَا " العامة على تخفيف النون ، وقرأ طلحة بتشديدها{[19172]} كما شدد : " تدعونّا " وفيها تخريجان :

أحدهما : ما تقدَّم في نظيرتها على أن تكون هي المخففة لا النَّاصبة ، واسمها ضمير الشأن ، وشذّ عدم الفصل بينها ، وبين الجملة الفعلية .

والثاني : أنَّها ناصبة ، ولكن أهملت حملاً على " مَا " المصدرية كقراء : { أَن يُتِمَّ } [ البقرة : 233 ] . برفع " يُتِمُّ " وقد تقدَّم القول فيه .


[19159]:ينظر: الكشاف 2/542.
[19160]:تقدم.
[19161]:في ب: بدار.
[19162]:ينظر: الكشاف 2/543.
[19163]:ينظر: الفخر الرازي 19/74.
[19164]:في ب: آمنتم.
[19165]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 19/74.
[19166]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 19/74.
[19167]:ينظر: الكشاف 2/543.
[19168]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 19/75.
[19169]:آية: (2).
[19170]:تقدم.
[19171]:ذكره الرازي في تفسيره (19/75).
[19172]:ينظر: البحر المحيط 5/399، الدر المصون 4/254.