فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( 10 ) }

{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ } جملة مستأنفة كأنه قيل فماذا قالت لهم الرسل فأجيب بأنهم قالوا منكرين عليهم ومتعجبين من مقالتهم الحمقاء { أَفِي اللّهِ شَكٌّ } والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإنكار أي أفي وحدانيته سبحانه شك وهي في غاية الوضوح والجلاء ثم إن الرسل ذكروا بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد الدالة على عدم الشك في وجوده سبحانه ووحدانيته فقالوا { فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما وما فيهما بعد العدم .

{ يَدْعُوكُمْ } إلى الإيمان به وتوحيده أو إلى الإيمان بإرساله إيانا لا أنا ندعوكم إليه من تلقاء أنفسنا كما يوهمه قولكم ما تدعوننا إليه { لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ } أي لأجل غفران ذنوبكم إذا آمنتم وصدقتم أو اللام للتعدية كقولك دعوتك لزيد .

قال أبو عبيدة : من صلة زائدة في الإيجاب ، ووجه ذلك قوله في موضع آخر { إن الله يغفر الذنوب جميعا } وأجازه الأخفش وقال سيبويه : هي للتبعيض ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع .

وقيل التبعيض على حقيقته ولا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم غفران جميعها لغيرهم ، وبهذه الآية احتج من جوز زيادة { من } في الإثبات ، وجمهور البصريين لا يجوزون زيادتها إلا في النفي إذا جرت نكرة ومن ثم جعلها بعضهم للبدل وقال ليست بزائدة ولا تبعيضية أي لتكون المغفرة بدلا من عقوبة الذنوب ، ويحتمل أن يضمن يغفر معنى يخلص أي يخلصكم من ذنوبكم ويكون مقتضاه غفران جميع الذنوب وهو أولى من دعوى زيادته { وَيُؤَخِّرَكُمْ } بلا عذاب { إِلَى أَجَلٍ } أي وقت { مُّسَمًّى } عنده سبحانه وهو الموت فلا يعذبكم في الدنيا .

{ قَالُواْ إِنْ } أي ما { أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } في الهيئة والصورة ، تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب ، فلا فضل لكم علينا ولستم ملائكة { تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا } وصفوهم بالبشر أولا ثم بإرادة الصد لهم { عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } أي آباؤهم ثانيا أي تريدون أن تصرفونا عن معبودات آبائنا من الأصنام ونحوها { فَأْتُونَا } إن كنتم صادقين بأنكم مرسلون من عند الله { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي حجة ظاهرة واضحة تدل على صحة ما تدعونه من المزية أو النبوة وقد جاؤوهم بالسلطان المبين والحجة الظاهرة ولكن هذا نوع من تعنتاتهم ولون من تلوناتهم .