تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (10)

الآية 10 : وقوله تعالى : { قالت رسلهم أفي الله شك } أي في ألوهية الله شك ؟ أفي عبادة الله شك ؟ أي ليس في ألوهيته ولا في عبادته شك .

تقرون {[9457]} أنتم أنه إله ، وأنه معبود ، وكذلك أقر آباءكم أنه إله ، وأنه معبود ، فليس في ألوهيته ولا في عبادته شك ، إنما كان الشك في عبادة من تعبدون دونه من الأوثان والأصنام وألوهيتها ، لأن آباءكم أقروا بألوهية الله وأنه معبود حين{[9458]} قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] وقالوا : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] وأقروا أنه خالق السماوات والأرض ، فاطر جميع ما فيهما بقوله : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } [ لقمان : 25 ] وأن الأصنام التي عبدوها لم تخلق شيئا ، فليس في الله شك عندكم ، إنما الشك فيما تعبدون دونه لا{[9459]} في وحدانية الله .

أو يقول : { أفي الله شك } إنه لم يزل معبودا ، أي ليس في الله شك أنه لم يزل معبودا ، إنما الشك في الأصنام التي قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] فأما في الله فلا شك أنه لم يزل معبودا .

[ وقوله تعالى : ]{[9460]} : { فاطر السماوات والأرض } يشبه أن يكون على الإضمار ، أي { أفي الله شك } وأنتم{[9461]} تقرون أنه خالقهما . ويحتمل أن يكون على الاحتجاج أي { أفي الله شك } وهو فاطر السماوات والأرض ، أي تعلمون أنه فاطر السماوات والأرض ، وتقرون أنه خالقهما .

وقوله تعالى : { يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى } هذا يحتمل [ وجوها :

أحدها ]{[9462]} : ليغفر لكم ذنوبكم التي كانت لكم في حال الفترة إذا أسلمتم . وفيه{[9463]} دلالة ، والله أعلم : أن المآثم التي كانت لهم في وقت الفترة مأخوذة عليهم [ قد وعد لهم مغفرتها ]{[9464]} إذا أسلموا .

والثاني : وعد المغفرة والتجاوز لما كان منهم من الافتراء على الله والقول فيه بما لا يليق به إذا أسلموا ، وتابوا عن ذلك ، أي إنكم ، وإن افتريتم على الله ، وقلتم فيه ما قلتم ، وكذبتم رسله [ إذا أسلمتم ، وتبتم ، وصدقتم رسله ]{[9465]} غفر لكم ذلك كله . وفيه ذكر لطفه وحسن معاملته خلقه .

والثالث : {[9466]} جواب ما قالوا : { إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } [ القصص : 57 ] .

والرابع : {[9467]} إذا أسلمتم ، وتبتم ، لا تتخطفون ، ولكن تبلغون إلى آجالكم المسماة .

[ وقوله تعالى ]{[9468]} { ويؤخركم إلى أجل مسمى } تتعلق المعتزلة بظاهر هذه الآية [ وتقول ]{[9469]} إن لكل إنسان أجلين : أجل في حال إذا فعل فعل كذا [ وأجل في حال إذا فعل فعل كذا ]{[9470]} .

لكن جعل الأجلين إنما يكون بجهل في العواقب [ بجهل ]{[9471]} من يجهل العواقب .

والله{[9472]} سبحانه وتعالى هو عالم بما كان ، ويكون ، فلا يحتمل أن يجعله لخلقه{[9473]} أجلين ، وهو عالم بما يكون . فإنما جعل أجله الذي علم أنه يكون منه في الوقت الذي جعل أجله بالذي [ جعل ]{[9474]} والله الموفق .

وقوله تعالى : { قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباءنا } في قولهم تناقض من وجوه{[9475]} :

أحدهما : أنهم تركوا طاعة رسلهم واتِّبَاعِهِم لأنهم بشر مثلهم حين{[9476]} قالوا : { تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباءنا } فذلك تناقض في القول .

والثاني : أنهم لم يروا الرسل متبوعين [ لأنهم ] بشر{[9477]} .

[ والثالث : أنهم لا يخلون ]{[9478]} أنفسهم من أن يكونوا متبوعين ، استتبعوا غيرهم من دونهم ، أو كانوا أتباعا لغيرهم حين{[9479]} قالوا : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون } [ الزخرف : 23 ] .

فذلك تناقض في القول .

[ وقوله تعالى ]{[9480]} { فأتونا بسلطان مبين } سألوا الحجة على ما دعوا إليه من ألوهية الله وربوبيته أو على ما دعوا من الرسالة من الله وفي كل شيء ، وقع عليه{[9481]} بصرهم دلالة وحدانية الله وألوهيته . لكنهم سألوا ذلك سؤال تعنت وعناد . وكذلك قد سألوا{[9482]} الحجج على ما دعوا{[9483]} من الرسالة ، لكنهم تعاندوا ، وكابروا في رد ذلك ، فسألوا سؤال آية وحجة ، تضطرهم ، وتقهرهم على ذلك .

أو يكون عند إتيانها هلاكهم ، فأجابهم الرسل ، فقلوا : { وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله } [ إبراهيم : 11 ] أي ما كان لنا أن نأتيكم بآية ، يكون بها هلاككم ، إنما ذلك إلى الله ، إن شاء لم يفعل .


[9457]:ادرج قبلها في الاصل وم:او
[9458]:في الأصل وم: حيث.
[9459]:في الأصل وم: أو.
[9460]:ساقطة من الأصل وم.
[9461]:في الأصل وم: وقد.
[9462]:في الأصل: يحتمل، ساقطة من م.
[9463]:الواو ساقطة من الأصل.
[9464]:في الأصل وم: ثم وعد لهم المغفرة.
[9465]:من م، ساقطة من الأصل.
[9466]:في الأصل وم: ويحتمل أيضا قوله {يدعوكم... مسمى}.
[9467]:في الأصل وم: ويحتم أيضا قوله: {يدعوكم... مسمى}.
[9468]:ساقطة من الأصل وم.
[9469]:ساقطة من الأصل وم.
[9470]:من م، ساقطة من الأصل.
[9471]:ساقطة من الأصل وم.
[9472]:في الأصل وم: فأما.
[9473]:في الأصل وم: له.
[9474]:من م، ساقطة من الأصل.
[9475]:في الأصل وم: وجهين.
[9476]:في الأصل وم: حيث.
[9477]:ساقطة من الأصل وم.
[9478]:في الأصل وم: ثم لا يخلوهم.
[9479]:في الأصل وم: حيث.
[9480]:ساقطة من الأصل وم.
[9481]:في الأصل وم: عليهم.
[9482]:في الأصل وم: أقاموا.
[9483]:في الأصل وم: ادعوا.