{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } أي : يا ذرية من مننا عليهم وحملناهم مع نوح ، { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه ، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم إذ{[467]} أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم .
وقوله : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ . . . } منصوب على الاختصاص ، أو على النداء والمقصود بهذه الجملة الكريمة إثارة عزائمهم نحو الإِيمان والعمل الصالح ، وتنبيههم إلى نعمه - سبحانه - عليهم ، حيث جعلهم من ذرية أولئك الصالحين الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - وحضهم على السير على منهاجهم فى الإِيمان والعمل الصالح ، فإن شأن الأبناء أن يقتدوا بالآباء فى التقوى والصلاح .
والمعنى : لا تتخذوا يا بنى إسرائيل معبودا غير الله - تعالى - ، فأنتم أبناء أولئك القوم الصالحين ، الذين آمنوا بنوح - عليه السلام - فأنجاهم الله - تعالى - مع نبيهم من الغرق .
قال الآلوسى : وفى التعبير بما ذكر إيماء إلى علة النهى من أوجه : أحدها تذكيرهم بالنعمة فى إنجاء آبائهم . والثانى : تذكيرهم بضعفهم وحالهم المحوج إلى الحمل والثالث : أنهم أضعف منهم - أى من آبائهم - لأنهم متولدون عنهم وفى إيثار لفظ الذرية الواقعة على الأطفال والنساء فى العرف الغالب مناسبة تامة لما ذكر .
وقوله : { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } تذييل قصد به الثناء على نوح - عليه السلام - أى : إن نوحا - عليه السلام - كان من عبادنا الشاكرين لنعمنا ، المستعملين لها فيما خلقت له ، المتوجهين إلينا بالتضرع والدعاء فى السراء والضراء .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : قوله : { إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } ما وجه ملاءمته لما قبله ؟ .
قلت : كأنه قيل لا تتخذوا من دونى وكيلا ، ولا تشركوا بى ، لأن نوحا كان عبدا شكورا ، وأنتم مَنْ آمن به وحمل معه ، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم ، ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم ، والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح - عليه السلام - فهم متصلون به ، فاستأهلوا لذلك الاختصاص . . .
وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد دعتا إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - بأسلوب يرضى العقول السليمة ، والعواطف الشريفة .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك قضاءه العادل فى بنى إسرائيل وساق سنة من سننه التى لا تتخلف فى خلقه فقال - تعالى - : { وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً . . . } .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } .
يقول تعالى ذكره : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ذريّة من حملنا مع نوح . وعنى بالذرية : جميع من احتجّ عليه جلّ ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمم ، عربهم وعجمهم من بني إسرائيل وغيرهم ، وذلك أنّ كلّ من على الأرض من بني آدم ، فهم من ذرية من حمله الله مع نوح في السفينة . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ والناس كلهم ذرّية من أنجى الله في تلك السفينة وذُكر لنا أنه ما نجا فيها يومئذٍ غير نوح وثلاثة بنين له ، وامرأته وثلاث نسوة ، وهم : سام ، وحام ، ويافث فأما سام : فأبو العرب وأما حام : فأبو الحبش وأما يافث : فأبو الروم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ذَرّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ قال : بنوه ثلاثة ونساؤهم ، ونوح وامرأته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال مجاهد : بنوه ونساؤهم ونوح ، ولم تكن امرأته .
وقد بيّنا في غير هذا الموضع فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
وقوله : إنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا يعني بقوله تعالى ذكره : «إنه » إن نوحا ، والهاء من ذكر نوح ، كان عبدا شكورا لله على نعمه .
وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي سماه الله من أجله شكورا ، فقال بعضهم : سماه الله بذلك لأنه كان يحمد الله على طعامه إذا طعمه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهدي ، قالا : حدثنا سفيان ، عن التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان نوح إذا لبس ثوبا أو أكل طعاما حمد الله ، فسمّي عبدا شكورا .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن سنان ، عن سعيد بن مسعود بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن أبي حصين ، عن عبد الله بن سنان ، عن سعيد بن مسعود قال : ما لبس نوح جديدا قطّ ، ولا أكل طعاما قطّ إلا حمد الله فلذلك قال الله : عَبْدا شَكُورا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : ثني سفيان الثوري ، قال : ثني أيوب ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان ، قال : إنما سمى نوح عبدا شكورا أنه كان إذا لبس ثوبا حمد الله ، وإذا أكل طعاما حمد الله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ من بني إسرائيل وغيرهم إنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا قال : إنه لم يجدّد ثوبا قطّ إلا حمد الله ، ولم يبل ثوبا قطّ إلا حمد الله ، وإذا شرب شربة حمد الله ، قال : الحمد لله الذي سقانيها على شهوة ولذّة وصحة ، وليس في تفسيرها ، وإذا شرب شربة قال هذا ، ولكن بلغني ذا .
حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو فضالة ، عن النضر بن شفي ، عن عمران بن سليم ، قال : إنما سمّى نوح عبدا شكورا أنه كان إذا أكل الطعام قال : الحمد لله الذي أطعمني ، ولو شاء أجاعني وإذا شرب قال : الحمد لله الذي سقاني ، ولو شاء أظمأني وإذا لبس ثوبا قال : الحمد لله الذي كساني ، ولو شاء أعراني وإذا لبس نعلاً قال : الحمد لله الذي حذاني ، ولو شاء أحفاني وإذا قضى حاجة قال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه ، ولو شاء حبسه . وقال آخرون في ذلك بما .
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عبد الجبار بن عمر أن ابن أبي مريم حدّثه ، قال : إنما سمى الله نوحا عبدا شكورا ، أنه كان إذا خرج البراز منه قال : الحمد لله الذي سوّغنيك طيبا ، وأخرج عني أذاك ، وأبقى منفعتك . وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا به بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله لنوح إنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا ذكر لنا أنه لم يستجد ثوبا قطّ إلا حمد الله ، وكان يأمر إذا استجدّ الرجل ثوبا أن يقول : الحمد لله الذي كساني ما أتجمّل به ، وأواري به عورتي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة إنّهُ كانَ عَبْدا شَكُورا قال : كان إذا لبس ثوبا قال : الحمد لله ، وإذا أخلقه قال : الحمد لله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.