تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

{ فَقَالَ الْمَلَأُ } من قومه الأشراف والسادة المتبوعون -على وجه المعارضة لنبيهم نوح ، والتحذير من اتباعه - : { مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي : ما هذا إلا بشر مثلكم ، قصده حين ادعى النبوة أن يزيد عليكم فضيلة ، ليكون متبوعا ، وإلا فما الذي يفضله عليكم ، وهو من جنسكم ؟ وهذه المعارضة لا زالت موجودة في مكذبي الرسل ، وقد أجاب الله عنها بجواب شاف ، على ألسنة رسله كما في قوله : { قالوا } أي : لرسلهم { إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ* قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } فأخبروا أن هذا فضل الله ومنته ، فليس لكم أن تحجروا على الله ، وتمنعوه من إيصال فضله علينا .

وقالوا هنا : { ولو شاء الله لأنزل ملائكة } وهذه أيضا معارضة بالمشيئة باطلة ، فإنه وإن كان لو شاء لأنزل ملائكة ، فإنه حكيم رحيم ، حكمته ورحمته تقتضي أن يكون الرسول من جنس الآدميين ، لأن الملك لا قدرة لهم على مخاطبته ، ولا يمكن أن يكون إلا بصورة رجل ، ثم يعود اللبس عليهم كما كان .

وقولهم : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا } أي بإرسال الرسول { فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ } وأي حجة في عدم سماعهم إرسال رسول في آبائهم الأولين ؟ لأنهم لم يحيطوا علما بما تقدم ، فلا يجعلوا جهلهم حجة لهم ، وعلى تقدير أنه لم يرسل فيهم رسولا ، فإما أن يكونوا على الهدى ، فلا حاجة لإرسال الرسول إذ ذاك ، وإما أن يكونوا على غيره ، فليحمدوا ربهم ويشكروه أن خصهم بنعمة لم تأت آباءهم ، ولا شعروا بها ، ولا يجعلوا عدم الإحسان على غيرهم سببا لكفرهم للإحسان إليهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

ثم حكى - سبحانه - ما رد به قوم نوح عليه فقال : { فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ . . . } .

والمراد بالملأ : أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح . وهذا اللفظ اسم جمع لا واحد له من لفظه - كرهط - وهو مأخوذ من قولهم : فلان ملىء بكذا ، إذا كان قادراً عليه . أو لأنهم متمالئون . أى : متظاهرون متعاونون ، أو لأنهم يملأون القلوب والعيون مهابة .

. . .

وفى وصفهم بالكفر : تشنيع عليهم وذم لهم ، وإشعار بأنهم عريقون فيه . أى : فقال الأغنياء وأصحاب النفوذ الذين مردوا على الكفر ، فى الدر على نبيهم نوح عليه السلام : { مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } .

أى : قالوا لأتباعهم على سبيل التحذير من الاستماع إلى دعوة نبيهم ، ما هذا ، أى : نوح عليه السلام - إلا بشر مثلكم ، ومن جنسكم ، ولا فرق بينكم وبينه فكيف يكون نبياًّا ؟

ولم يقولوا : ما نوح إلا بشر مثلكم ، بل أشاروا إليه بدون ذكر اسمه ، لأنهم لجهلهم وغرورهم يقصدون تهوين شأنه - عليه الصلاة والسلام - فى أعين قومه .

وقوله : { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أى : أ ، نوحاً جاء بما جاء به بقصد الرياسة عليكم .

ومرادهم بهذا القول : تنفير الناس منه ، وحضهم على عداوته .

وقوله : { وَلَوْ شَآءَ الله لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً } استبعاد منهم لكون الرسول من البشر أى : ولو شاء الله أن يرسل رسولاً ليأمرنا بعبادته وحده . لأرسل ملائكة ليفعلوا ذلك ، فهم - لانطماس بصائرهم وسوء تفكيرهم - يتوهمون أن الرسول لا يكون من البشر ، وإنما يكون من الملائكة .

ومفعول المشيئة محذوف . أى : ولو شاء الله عبادته وحده لأرسل ملائكة ليأمرونا بذلك ، فلما لم يفعل علمنا أنه ما أرسل رسولاً ، فنوح - فى زعمهم - كاذب فى دعواه .

وقولهم : { مَّا سَمِعْنَا بهذا في آبَآئِنَا الأولين } أى ما سمعنا بهذا الكلام الذى جاءنا به نوح فى آباءنا الأولين ، الذين ندين باتباعهم ، ونقتدى بهم فى عبادتهم لهذه الأصنام .