إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

{ فَقَالَ الملأ } أي الأشراف { الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } وصف الملأ بما ذُكر مع اشتراك الكلِّ فيه للإيذان بكمال عراقتهم في الكُفرِ وشدَّةِ شكيمتهم فيه أي قالوا لعوامِّهم { مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } أي في الجنسِ والوصفِ من غير فرقٍ بينكم وبينَه ، وصفوه عليه السَّلامُ بذلك مبالغةً في وضع رتبته العالية وحطِّها عن منصب النُّبوة { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي يريدُ أنْ يطلبَ الفضلَ عليكم ويتقدَّمكم بادِّعاءِ الرَّسالةِ مع كونهِ مثلكم ، وصفوه بذلك إغضاباً للمُخاطبين عليه ، عليه السَّلامُ وإغراءً لهم على معاداته عليه السَّلامُ وقولُه تعالى : { وَلَوْ شَاء الله لأنزل ملائكة } بيانٌ لعدم رسالة البشر على الإطلاقِ على زعمِهم الفاسدِ بعد تحقيق بشريَّتهِ عليه السَّلامُ أي لو شاء الله تعالى إرسالَ الرَّسولِ لأرسل رُسُلاً من الملائكة وإنَّما قيل لأنزل ؛ لأنَّ إرسالَ الملائكة لا يكونُ إلا بطريقِ الإنزالِ ، فمفعولُ المشيئة مطلقُ الإرسالِ المفهوم من الجوابِ لا نفسُ مضمونهِ كما في قوله تعالى : { وَلَوْ شاء لَهَدَاكُمْ } ونظائره . { مَّا سَمِعْنَا بهذا } أي بمثل هذا الكلامِ الذي هو الأمرُ بعبادة الله خاصَّةً وتركُ عبادة ما سواه . وقيل بمثل نوحٍ عليه السَّلامُ في دعوى النُّبوة { في آبَائِنَا الأولين } أي الماضين قبل بعثتهِ عليه السَّلامُ قالوه إمَّا لكونهم وآبائهم في فترة متطاولةٍ وإما لفرطِ غلوِّهم في التَّكذيبِ والعناد وانهماكهم في الغيِّ والفساد ، وأيَّا ما كان فقولُهم هذا ينبغي أنْ يكونَ هو الصَّادُّ عنهم في مبادي دعوتهِ عليه السَّلامُ كما تنبئ عنه الفاء في قوله تعالى : { فَقَالَ الملأ } الخ وقيل معناه ما سمعنا به عليه السَّلامُ أنَّه نبيٌّ . فالمرادُ بآبائِهم الأوَّلين الذين مضوا قبلهم في زمنِ نوحٍ عليه السَّلامُ . وقولهم المذكور هو الذي صدر عنهم في أواخرِ أمرِه عليه السَّلامُ وهو المناسب لما بعدَه من حكاية دُعائهِ عليه السَّلامُ .