محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيۡكُمۡ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ} (24)

ولما بين تعالى دلائل التوحيد ، تأثره بقصص بعثة الرسل لعلو كلمته ، فقال سبحانه :

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا } أي الداعي إلى عبادة الله وحده ، بدعوى الرسالة منه { إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أي أن يطلب الفضل عليكم ويرأسكم ، كقوله تعالى [ يونس 78 ] { وتكون لكم الكبرياء في الأرض } { وَلَوْ شَاء اللَّهُ } أي إرسال رسول { لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً } أي من السماء { مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا } أي بمثل ما يدعو إليه { فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ } أي لعله يرجع أو يفيق من جنته أو يتمادى فنكيد له . قال الرازي : واعلم أنه سبحانه ما ذكر الجواب عن شبههم هذه الخمسة ، لركاكتها ووضوح فسادها . وذلك لأن كل عاقل يعلم أن الرسول لا يصير رسولا إلا لأنه من جنس الملك . وإنما يصير كذلك بأن يتميز من غيره بالمعجزات . فسواء كان من جنس الملك أو من جنس البشر ، فعند ظهور المعجز عليه يجب أن يكون رسولا . بل جعل الرسول من جملة البشر أولى . لما مرّ بيانه في السور المتقدمة . وهو أن الجنسية مظنة الألفة والمؤانسة . وأما قولهم { يريد أن يتفضّل عليكم } فإن أرادوا به إرادته لإظهار فضله ، حتى يلزمهم الانقياد لطاعته ، فهذا واجب على الرسول . وإن أرادوا به أن يرتفع عليهم على سبيل التجبر والتكبر والانقياد ، فالأنبياء منزّهون عن ذلك . وأما قولهم { ما سمعنا بهذا } فهو استدلال بعدم التقليد ، على عدم وجود الشيء . وهو في غاية السقوط . لأن وجود التقليد لا يدل على وجود الشيء . فعدمه من أين يدل على عدمه ؟ وأما قولهم { به جنة } فقد كذبوا . لأنهم كانوا يعلمون بالضرورة كمال عقله . وأما قولهم { فتربّصوا به } فضعيف . لأنه إن ظهرت الدلالة على نبوّته وهي المعجزة ، وجب عليهم قبول قوله في الحال ، ولا يجوز توقيف ذلك إلى ظهور دولته . لأن الدولة لا تدل على الحقيقة . وإن لم يظهر المعجز لم يجز قبول قوله ، سواء ظهرت الدولة أو لم تظهر . ولما كانت هذه الأجوبة في نهاية الظهور ، لا جرم تركها الله سبحانه . انتهى