بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجۡلٍ حَنِيذٖ} (69)

قوله تعالى { وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى } يعني : ببشارة الولد . وذلك أن مدينة يقال لها : سدوما . ويقال : سدوم ، وكانت بلدة فيها من السعة والخير ، ما لم يكن في سائر البلدان وكان الغرباء يحضرون من سائر البلدان ، في أيام الصيف ، ويجمعون من فضل ثمارهم ، مما كان خارجاً من الكروم ، والحدائق . فجاء إبليس لعنه الله ، فشبه نفسه بغلام أمرد ، وجعل يدخل كرومهم ، وحدائقهم ، ويراودهم إلى نفسه ، حتى أظهر فيهم الفاحشة .

وجاء إلى نسائهم ، وقال : إن الرجال قد استغنوا عنكن ، فعلَّمَهُنَّ أن يستغنين عن الرجال ، حتى استغنى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء . فأوحى الله تعالى إلى لوط ، ليدعوهم إلى الإيمان ، ويمتنعوا عن الفواحش ، فلم يمتنعوا . فبعث الله جبريل ، ومعه أحد عشر من الملائكة بإهلاكهم ، فجاؤوا إلى إبراهيم كهيئة الغلمان ، فدخلوا على إبراهيم ، فنظر فرأى اثني عشر غلاماً أمرد ، ويقال : كانوا ثلاثة جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، ويقال : كانو أربعة ، فسلموا عليه { قَالُواْ سلاما قَالَ سلام } يعني : ردّ عليهم السلام .

قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، { قَالُواْ سلاما قَالَ سلام } ، كلاهما سلام ، إلا أن الأول صار نصباً ، لوقوع الفعل عليه ؛ والآخر رفعاً بالحكاية . ومعناه : قال : قولاً : فيه سلام . وقرأ حمزة ، والكسائي : { قَالُواْ سلاما قَالَ *** سلام } بكسر السين ، وسكون اللام ، يعني : أمري سلم ، ما أريد إلا السلامة . { فَمَا لَبِثَ } يعني : فما مكث { أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } قال السِّدِيّ : الحنيذ السمين ، كما قال في آية أُخرى : { فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [ الذاريات : 26 ] ويقال : { حنيذ } ، يعني : نضيج . ويقال : المشوي الذي يقطر منه الدسم . وقال أهل اللغة بأجمعهم : الحنيذ ، المشوي بغير تنور ، وهو أن يتخذ له في الأرض حنذاً ، فيلقى فيه . قال مقاتل : إنما جاءهم بعجل ، لأنه كان أكثر ماله البقر ، فلما قربه إليهم ووضع بين أيديهم كفوا ولم يأكلوا ، ولم يتناولوا منه .