بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ} (57)

قال عز وجل : { وتالله لاكِيدَنَّ أصنامكم } ، يعني : قال إبراهيم : والله لأكسرن أصنامكم . { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } ، يعني : بعد أن تنطلقوا ذاهبين إلى عيدكم .

وذلك أن القوم كانوا أرادوا أن يخرجوا إلى عيد لهم ، فقالوا لإبراهيم : اخرج معنا حتى تنظر إلى عيدنا . وكان القوم في ذلك الزمان ينظرون إلى النجوم فينظر أحدهم ويقول : إنه يصيبني كذا وكذا من الأمر . وكان ذلك معروفاً عندهم ، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يخلفوا بعدهم إلا من كان مريضاً { فَنَظَرَ *** إِبْرَاهِيمَ **نَظْرَةً فِى النجوم * فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ } يعني : أشتكي غداً . فأصبح من الغد معصوباً رأسه ، وخرج القوم إلى عيدهم ، ولم يتخلف أحد غيره . فلما خرج القوم ، قال إبراهيم : أما والله لأكيدن أصنامكم . فسمعه رجل منهم فحفظها عليه . فأخذ إبراهيم فأساً ويقال قَدُوماً ، جاء إلى بيت أصنامهم ؛ وكانوا قد وضعوا ألوان الطعام بين أيديهم ؛ فإِذا رجعوا من عيدهم ، رفعوا ذلك الطعام ويأكلون تبركاً . ودخل إبراهيم بيت الأصنام ، فرأى ذلك الطعام بين أيديهم ، فقال : أَلاَ تَأَكُلُونَ ؟ فلم يجيبوه ، فقال : { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ *** فَأَقْبَلَ * عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين } ، يعني : جعل يضرب القوم بيده ؛ وقال السدي : قطع رؤوسها كلها ؛ وقال ابن عباس : كسرها كسراً ؛ وقال بعضهم : نَحَتَ وجوههم ؛ وقال بعضهم : قطع يد بعضهم ورجل بعضهم وأُذُنَ بعضهم ، فذلك قوله تعالى : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً }