اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ} (57)

وأما الفعل فقوله : { وتالله{[28728]} لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } لأمكرن بها . قرأ{[28729]} العامة «تَاللهِ » بالتاء المثناة فوق . وقرأ معاذ بن جبل{[28730]} ، وأحمد بن حنبل{[28731]} بالباء الموحدة{[28732]} . قال الزمخشري : فإن قُلْتَ «ما الفرق بين التاء والباء{[28733]} ؟ قلت : الباء{[28734]} هي الأصل ، والتاء بدل من الواو المبدل{[28735]} منها ، وأن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه{[28736]} . أما قوله : إنَّ الباء في الأصل فيدل على ذلك تصرفها في الباب{[28737]} بخلاف الواو والتاء{[28738]} ، وإن كان السُّهيلي قد ردَّ كون الواو بدلاً منها{[28739]} .

وقال أبو حيان : النظر يقتضي أن كلاً منهما أصل{[28740]} . وأما قوله : التعجب فنصوص النحويين أنه يجوز فيها التعجب وعدمه ، وإنما يلزم ذلك مع اللام{[28741]} كقوله :

3727- للهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَد *** بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيانُ{[28742]} والآسُ{[28743]}

و«بَعْدُ » منصوب ب «لأكِيدَنَّ » ، و «مُدْبِرِينَ » حال مؤكدة ، لأن «تُوَلُّوا » يفهم معناها . وقرأ العامة «تُوَلُّوا » بضم التاء مضارع ( وَلَّى ) مشدداً{[28744]} .

وقرأ عيسى بن عمر«تَوَلَّوا » بفتحهما مضارع ( تَوَلَّى ){[28745]} ، والأصل : تتولوا فحذف إحدى التاءين إمَّا الأولى على رأي هشام{[28746]} ، وإمَّا الثانية على رأي البصريين{[28747]} وينصرها قراءة الجميع { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ }{[28748]} ، ولم يقرأ أحد «تُوَلُّوا » وهي قياس{[28749]} قراءة الناس هنا ، وعلى كلتا القراءتين فلام الكلمة محذوفة ، وهو{[28750]} الياء ، لأنه من «وَلَّى » ، ومتعلق هذا الفعل محذوف تقديره : تولوا إلى عيدكم ونحوه{[28751]} . فإن قيل : الكيد ضرر الغير بحيث لا يشعر به ولا يتأتى ذلك في الأصنام فكيف قال : { لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } ؟

فالجواب : توسعاً لما كان عندهم أنَّ الضرر يجوز عليها ، وقيل : المراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل أنزل بهم الغم{[28752]} .


[28728]:في ب: والله. وهو تحريف.
[28729]:في الأصل: قال. وهو تحريف.
[28730]:تقدم.
[28731]:تقدم.
[28732]:الكشاف 3/14، البحر المحيط 6/321.
[28733]:في ب: الباء. وهو تحريف.
[28734]:الباء: سقط من ب.
[28735]:في الأصل: والمبدل.
[28736]:الكشاف 3/14.
[28737]:في الأصل: في التاء والباب. وهو تحريف.
[28738]:الباء أصل حروف القسم، لأنها أوسعها إذ تدخل على الظاهر والمضمر تقول: بالله لأفعلن وبك لأذهبن، وغيرها إنما يدخل على الظاهر دون المضمر. ويصرح بفعل القسم معها فتقول: أحلف بالله وأقسم بالله تفعل ذلك بغيرها ويؤتى بها للاستعطاف، كأن تحلف على إنسان فتقول: بالله إلا فعلت وتفعل ذلك بغيرها لأنه ليس قسم. وتحذف الباء فينتصب المقسم به بالفعل المضمر نحو الله لأفعلن، يمين الله، أمانة الله. والتاء بدل من الواو، وإنما أبدلت منها، لأنها قد أبدلت منها كثيرا نحو قولهم: تجاه وتراث. وهذه الواو بدل من الباء لموافقتها لها في المخرج فهما من الشفتين وتقاربهما في المعنى إذ الواو للجمع والباء للإلصاق؛ لأن الشيء إذا لاصق الشيء فقد اجتمع معه. انظر سرح المفصل 9/99-104.
[28739]:في الأصل: قد رد الواو منها. انظر البحر المحيط 6/322.
[28740]:وعبارته: (والذي يقتضيه النظر أنه ليس شيء منها أصلا لآخر) البحر المحيط 6/322.
[28741]:والتاء لضعفها بكونها في المرتبة الثالثة اختصت باسم الله تعالى لشرفه وكونه اسما لذاته سبحانه تقول: تالله لأفعلن، وفيها معنى التعجب قال الله تعالى: {تالله لقد آثرك الله علينا} [يوسف: 91]، وربما جاءت لغير التعجب كقوله تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 57] بخلاف اللام فإنها تدخل للقسم على معنى التعجب كالبيت المستشهد به في الأصل. قال سيبويه: وقد تقول: تالله. وفيها معنى التعجب. وبعض العرب يقول في هذا المعنى: لله فيجيء باللام، ولا تجيء إلا أن يكون فيها معنى التعجب. قال أمية بن أبي عائذ: لله يبقى على الأيام ذو حيد *** بمشمخرّ به الظّيّان والآس الكتاب 3/497. وانظر شرح المفصل 9/99 البحر المحيط 6/322.
[28742]:في ب: الضيان. وهو تحريف.
[28743]:البيت من بحر البسيط قاله أمية بن أبي عائذ أو أبو ذؤيب الهذلي أو مالك بن خويلد الخناعي الهذلي، وهو في ديوان الهذليين 3/2، والكتاب 3/497، المقتضب 2/323، أمالي ابن الشجري 1/369، وشرح المفصل 9/98،99، المغني 1/214، القرطبي 11/297، الهمع 2/32، شرح شواهد المغني 2/574، شرح الأشموني 2/216 الخزانة 10/95، الدرر 2/29. حِيد جمع حَيَد: وهو كل نتوء في قرن أو جبل. المشمخرّ: الجبل العالي. الظيان: ياسمين البر. الآس: الريحان ومنابتهما الجبال وحزون الأرض. والشاهد فيه دخول اللام على لفظ الجلالة في القسم بمعنى التعجب. واستشهد به أيضا على حذف حرف النفي وهو (لا) إذا وقعت جوابا للقسم. والتقدير: لا يبقى.
[28744]:انظر البحر المحيط 6/322.
[28745]:المختصر (92) البحر المحيط 6/322.
[28746]:هو هشام بن معاوية الضرير، أبو عبد الله النحوي الكوفي، أحد أعيان أصحاب الكسائي، صنف مختصر النحو، الحدود، القياس. مات سنة 209 هـ بغية الوعاة 2/328.
[28747]:احتج هشام بأن الثانية تدل على معنى هو المطاوعة وحذفها يخل بذلك، واحتج البصريون بأن الثقل حصل بالثانية وهي قريبة من الطرف وبأن الأولى تدل على المضارعة وحذفها يضيع المقصود منها. انظر الإنصاف 2/648-650 ضياء السالك 4/423، شرح التصريح 2/401، الأشموني 4/351.
[28748]:[الصافات: 90]. وانظر الكشاف 3/14، البحر المحيط 6/322.
[28749]:قياس: سقط من ب.
[28750]:في ب: وهي.
[28751]:انظر البحر المحيط 6/322.
[28752]:انظر الفخر الرازي 22/182.