البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتَٱللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ} (57)

فانتقل إلى القول الدال على الفعل الذي مآله إلى الدلالة التامّة على عدم الفائدة في عبارة ما يتسلط عليه بالكسر والتقطيع وهو لا يدفع ولا يضر ولا ينفع ولا يشعر بما ورد عليه من فك أجزائه فقال : { وتالله لأكيدن أصنامكم } وقرأ الجمهور { وتالله } بالتاء .

وقرأ معاذ بن جبل وأحمد بن حنبل بالله بالباء بواحدة من أسفل .

قال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين التاء والباء ؟ قلت : إن الباء هي الأصل والتاء بدل من الواو المبدل منها ، وإن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب ، كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه لأن ذلك كان أمراً مقنوطاً منه لصعوبته وتعذره ، ولعمري إن مثله صعب متعذر في كل زمان خصوصاً في زمن نمرود مع عتوّه واستكباره وقوّة سلطانه وتهالكه على نصر دينه ولكن :

إذا الله سنى عقد شيء تيسرا . . .

انتهى .

أما قوله الباء هي الأصل إنما كانت أصلاً لأنها أوسع حروف القسم إذ تدخل على الظاهر ، والمضمر ويصرح بفعل القسم معها وتحذف وأما أن التاء بدل من واو القسم الذي أبدل من باء القسم فشيء قاله كثير من النحاة ، ولا يقوم على ذلك دليل وقد رد هذا القول السهيلي والذي يقتضيه النظر أنه ليس شيء منها أصلاً لآخر .

وأما قوله : إن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب فنصوص النحاة أن التاء يجوز أن يكون معها تعجب ، ويجوز أن لا يكون واللام هي التي يلزمها التعجب في القسم .

والكيد الاحتيال في وصول الضرر إلى المكيد ، والظاهر أن هذه الجملة خاطب بها أباه وقومه وأنها مندرجة تحت القول من قوله { قال بل ربكم } .

وقيل : قال ذلك سرًّا من قومه وسمعه رجل واحد .

وقيل : سمعه قوم من ضعفتهم ممن كان يسير في آخر الناس يوم خرجوا إلى العيد وكانت الأصنام سبعين .

وقيل : اثنين وسبعين .

وقرأ الجمهور { تولوا مدبرين } مضارع ولّى .

وقرأ عيسى بن عمر { تولوا } فحذف إحدى التاءين وهي الثانية على مذهب البصريين .

والأولى على مذهب هشام وهو مضارع تولى وهو موافق لقوله { فتولوا عنه مدبرين } ومتعلق { تولوا } محذوف أي إلى عيدكم .

وروي أن آزر خرج به في يوم عيد لهم فبدؤوا ببيت الأصنام فدخلوه وسجدوا لها ووضعوا بينها طعاماً خرجوا به معهم ، وقالوا : لن ترجع بركة الآلهة على طعامنا فذهبوا ، فلما كان في الطريق ثنى عزمه عن المسير معهم فقعد وقال : إني سقيم .

وقال الكلبي : كان إبراهيم من أهل بيت ينظرون في النجوم ، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلا مريضاً فأتاهم إبراهيم بالذي هم فيه فنظر قبل يوم العيد إلى السماء وقال لأصحابه : إني أشتكي غداً وأصبح معصوب الرأس فخرجوا ولم يتخلف أحد غيره ، وقال { وتالله لأكيدن } إلى آخره وسمعه رجل فحفظه ثم أخبر به فانتشر انتهى .