بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖ وَزَادَكُمۡ فِي ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فَٱذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (69)

{ أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِن رَّبِّكُمْ } يعني : الرسالة والبيان { على رجل منكم } تعرفون نسبه { لِيُنْذِرَكُمْ } بالعذاب { وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } أي جعلكم خلفاء في الأرض بعد هلاك قوم نوح { وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً } أي : فضيلة في الطول على غيركم . والخلفاء والخلائف جمع الخليفة .

قرأ ابن كثير وأبو عمرو { بسْطة } بالسين .

وقرأ حمزة بإشمام الزاي .

وقرأ الباقون بالصاد . قال ابن عباس رضي الله عنهما كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعاً . وروى إبراهيم بن يوسف عن المسيب عن الكلبي قال : كان طول قوم عاد أطولهم مائة وعشرين ذراعاً وأقصرهم ثمانون ذراعاً . وقال مقاتل عن قتادة : كان طول كل رجل منهم اثني عشر ذراعاً فذلك قوله { التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد } [ الفجر : 8 ] ويقال : كان بين نوح وبين آدم عشرة آباء كلهم على الإسلام . وكان إدريس جد أبي نوح ولم يكن بين آدم ونوح نبي مرسل ، وكان إدريس نبياً ولم يؤمر بدعوة الخلق ، ويقال : أنزل عليه عشرون صحيفة ، وقد آمن به كثير من الناس ، وكان بين نوح وإبراهيم ألف سنة ويقال : ألفان وأربعون سنة وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة . وكان بين موسى وعيسى ألف سنة . وبين عيسى ومحمد عليه السلام خمسمائة سنة . وكان هود بين نوح وإبراهيم فلما دعا قومه فكذبوه ، أنذرهم بالعذاب ، وقال : إن الله تعالى يرسل عليكم الريح فيهلككم بها ، فاستهزؤوا به وقالوا : أي ريح يقدر علينا ، فأمر الله تعالى خازن الريح أن يخرج من الريح العقيم التي هي تحت الأرض مقدار ما يخرج من حلقة الخاتم ، كما قال في آية أخرى { وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [ الذاريات : 41 ] فجاءتهم وحملت الرجال والدواب كالأوراق في الهواء فأهلكتهم كلهم فلم يبق منهم أحد .

كما قال { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مساكنهم كَذَلِكَ نَجْزِي القوم المجرمين } [ الأحقاف : 25 ] وذلك بعد ما أنذرهم وأخذ عليهم الحجة وذكرهم نعم الله تعالى ، قال لهم : { فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ } أي : اشكروا نعمة الله قال بعضهم : الآلاء إيصال النعم ، والنعماء دفع البلية . وقال بعضهم على ضد هذا ، وقال أكثر المفسرين : الآلاء والنعماء بمعنى واحد { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يعني : لكي تنجوا من البلايا ومن عذابه .