فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (37)

{ وما كان هذا القرآن أن يفترى } قيل إن بمعنى اللام أي ليفتري وقيل بمعنى لا أي لا يفترى .

لما فرغ سبحانه من دلائل التوحيد وحججه شرع في تثبيت أمر النبوة أي وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآن المشتمل على الحجج البينة والبراهين الواضحة مفترى من الخلق { من دون الله } وإنما هو من عند الله عز وجل وكيف يصح أن يكون مفترى على سبيل الافتعال والاختلاق وقد عجز عن الإتيان بسورة منه القوم الذين هم أفصح العرب لسانا وأدقهم أذهانا .

قال الفراء : ومعنى الآية وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى كقوله { وما كان لنبي أن يغل وكقوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } يعني ليس وصف القرآن وصف شيء يمكن أن يفتري به على الله لأن المفترى هو الذي يأتي به البشر وأنه مبرأ عن الافتراء والكذب .

{ ولكن } كان هذا القرآن ووقعت لكن هنا أحسن موقع إذ هي بين نقيضين وهما الكذب والصدق المضمن للتصديق وفيه أوجه { أحدهما } العطف على خبر كان { الثاني } أنه خبر لكان مضمرة وتقدم تقديره وإليه ذهب الكسائي والفراء وابن سعدان والزجاج وهذا كالذي قبله في المعنى { الثالث } تقديره وما كان هذا القرآن أن يفترى ولكن أنزل للتصديق { والرابع } تقديره ولكن يصدق الذي قاله السمين .

{ تصديق الذي بين يديه } أي أمامه من الكتب الإلهية المنزلة على الأنبياء قبله ، أي إنها قد بشرت به قبل نزوله فجاء مصدقا لها ، ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع على ذلك ولا تعلمه ولا سال عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك وقيل المعنى ولكن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم الذي بين يدي القرآن وهو محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم شاهدوه قبل أن يسمعوا منه القرآن .

{ وتفصيل الكتاب } التفصيل التبيين ، أي بين ما في كتب الله المتقدمة والألف واللام في الكتاب للجنس وقيل أراد ما بين في القرآن من الأحكام فيكون المراد بالكتاب القرآن وقيل اللوح المحفوظ ، { لا ريب فيه } الضمير عائد إلى القرآن وهو داخل في حكم الاستدراك وهو خبر ثالث أو حال من الكتاب أي منتفيا عنه الريب أو مستأنف أو معترض بين تصديق وبين { من رب العالمين } أي كائن منه خبر رابع أو حال ثانية أو متعلق بتصديق أو بتفصيل أو التقدير أنزل للتصديق من رب العالمين .