فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحٖۖ فَلَا تَسۡـَٔلۡنِ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۖ إِنِّيٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ} (46)

ثم أجاب الله سبحانه عن نوح ببيان أن ابنه غير داخل في عموم الأهل وأنه خارج بقيد الاستثناء { قال يا نوح إنه } يعني هذا الابن الذي سألتني نجاته { ليس من أهلك } الذين آمنوا بك وتابعوك ومن أهل دينك ، وإن كان من أهلك باعتبار القرابة قال عكرمة وسعيد ابن جبير والضحاك وأكثر المفسرين أنه ابن نوح من صلبه وهو الصحيح .

وعن ابن عباس قال : ما بغت امرأة نبي قط ، وأن الله نص عليه بقوله { ونادى نوح ابنه } ونوح أيضا نص عليه بقوله { يا بني } ولا يجوز صرف الكلام عن الحق إلى المجاز من غير ضرورة .

وقيل المعنى إنه ليس من الذين وعدتك أن أنجيهم معك ، وإنما خالف هذا الظاهر من خالفه لأنه استبعد أن يكون ولد نبي كافرا ، وهذا خطأ ممن قاله لأن الله يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر ، ولا فرق في ذلك بين الأنبياء وغيرهم فإن الله سبحانه قد أخرج قابيل من صلب آدم وهو نبي وكان كافرا وأخرج إبراهيم . وهو نبي من صلب آزر وكان كافرا فكذلك أخرج كنعان من صلب نوح وهو كافر فهو المتصرف في خلقه كيف شاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

ثم صرح بالعلة الموجبة لخروجه من عموم الأهل المبينة له بأن المراد بالقرابة قرابة الدين لا قرابة النسب وحده فقال { إنه عمل غير صالح } قرأ الجمهور { عمل } على لفظ المصدر وقرئ على لفظ الفعل ، ومعنى الأول المبالغة في ذمه كأنه جعل نفس العمل وأصله ذو عمل غير صالح كذا قال أبو إسحاق الزجاجي وأبو علي وابن الأنباري والواحدي وعبارة الصاوي إن الضمير عائد على الولد ويقال في الإخبار عنه بعمل ما قيل في زيد عدل وهو الراجح . 1ه .

ومعنى الثانية ظاهر : أي أنه عمل عملا غير صالح وهو كفره وعدم متابعته لأبيه قاله أبو علي .

قال الصاوي : أشار السيوطي إلى أن الضمير في { أنه } عائد إلى نوح على حذف مضاف والمعنى قال الله له : يا نوح إن سؤالك عمل غير مقبول . انتهى . ويؤيده ما قال ابن عباس : يقول مسألتك إياي يا نوح عمل غير صالح لا أرضاه لك .

ثم نهاه عن مثل هذا السؤال فقال { فلا تسألن ما ليس لك به علم } أي ما لا تعلم أصواب هو فتسأل عنه أم ليس كذلك فتتركه وهو وإن كان نهيا عاما بحيث يشمل كل سؤال لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب فهو يدخل تحته سؤاله هذا دخولا أوليا . وفيه عدم جواز الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع وسمى دعاءه سؤالا لتضمنه معنى السؤال باعتبار استنجازه في شأن ولده .

{ إني أعظك } من { أن تكون من الجاهلين } أي أحذرك وأنهاك أن تكون جاهلا فتسأل مثل ما يسألون كقوله يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ، وسمى سؤاله جهلا لأن حب الولد شغله عن تذكر استثناء من سبق عليه القول منهم بالإهلاك قاله الكرخي . وقيل المعنى أرفعك أن تكون منهم قال ابن العربي : وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحا عن مقام الجاهلين ويعليه بها على مقام العلماء العاملين