فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (8)

{ ولئن أخرنا عنهم العذاب } أي الذي يستعجلونه استهزاء وهو ما تقدم ذكره في قوله { عذاب يوم كبير } وقيل عذاب يوم القيامة وما بعده ، وقيل عذاب يوم بدر ، { إلى أمة معدودة } أي على طائفة من الأيام قليلة لأن ما يحصره العد قليل والأمة اشتقاقها من الأم وهو القصد وأراد بها الوقت المقصود لإيقاع العذاب وقيل هي في الأصل الجماعة من الناس وقد يسمى الحين باسم ما يحصل فيه ، كقولك كنت عند فلان صلاة العصر ، أي في ذلك الحين فالمراد على هذا إلى حين تنقضي أمة معدودة من الناس { ليقولن ما يحبسه } أي : أي شيء يمنعه من النزول استعجالا له على جهة الاستهزاء والتكذيب والسخرية .

فأجابهم الله بقوله { ألا } أداة استفتاح داخلة على ليس في المعنى { يوم يأتيهم } أي العذاب { ليس مصروفا } أي محبوسا { عنهم } بل واقع بهم لا محالة ، ويوم منصوب بخبر { ليس } مقدما عليه وهو دليل البصريين على جواز تقديم خبرها عليها إذ المعمول تابع للعامل فلا يقع إلا حيث يقع متبوعه وإلا يلزم تقديم الفرع على أصله .

ورد بأن الظرف يجوز فيه ما لا يجوز في غيره توسعا ، ويبنى الأمر فيه على التسامح فيه ، وبأنه قد يقدم المعمول حيث لا مجال لتقدم العامل كما في قوله تعالى { فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر } فإن اليتيم والسائل مع كونهما منصوبين بالفعلين المجزومين قد تقدما على لا الناهية مع امتناع تقدم الفعلين عليها .

قال أبو حيان : وقد تتبعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر { ليس } عليها ولا بتقديم معموله إلا ما دل عليه ظاهر هذه الآية وقول الشاعر :

فيأبى فما يزداد إلا لجاجة وكنت أبيا في الخنا لست أقدم .

قلت هذا الخلاف بينهم في تقديم الخبر على { ليس } لا على اسمها فإنه جائز بلا خلاف والكلام فيه وفي أدلته مفصل في كتب النحو .

{ وحاق } أي أحاط { بهم ما كانوا به يستهزئون } أي العذاب الذي كانوا يستعجلونه استهزاء منهم ، ووضع هذا مكان يستعجلونه لأن استعجالهم كان استهزاء منهم ، وعبر بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه فكأنه قد حاق بهم