فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ يَثۡنُونَ صُدُورَهُمۡ لِيَسۡتَخۡفُواْ مِنۡهُۚ أَلَا حِينَ يَسۡتَغۡشُونَ ثِيَابَهُمۡ يَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (5)

ثم أخبر الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجع فيهم ، ولا لانت له قلوبهم بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر فقال مصدرا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجيب من حالهم وأنه أمر ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه ، { ألا إنهم يثنون صدورهم } يقال ثنى صدره عن الشيء إذا أزور وانحرف عنه ، فيكون في الكلام كناية عن الإعراض لأن من عارض عن الشيء ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه .

وقيل معناه يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يكون ذلك مخفيا مستورا فيها كما تعطف الثياب على ما فيها من الأشياء المستورة فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكف كما كان دأب المنافقين ، والوجه الثاني أولى ، ويؤيده قوله { ليستخفوا منه } أي من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنين أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم كرر كلمة التنبيه مبينا للوقت الذي يثنون فيه صدورهم فقال { ألا حين يستغشون ثيابهم } أي يستخفون في وقت استغشاء الثياب وهو التغطي بها ، وقد كانوا يقولون : إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم فمن يعلم بنا .

وقيل معناه يأوون إلى فراشهم ويتدثرون بثيابهم وقيل إنه حقيقة وذلك أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وولي ظهره واستغشى ثيابه لئلا يسمع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال البخاري عن ابن عباس : يغطون رؤوسهم وروى عنه أيضا قال : يعني به الشك في الله وعمل السيئات وكذا روي عن مجاهد والحسن وغيرهما أي إنهم كانوا يثنون صدورهم إذ قالوا شيئا أو عملوه فيظنون أنهم سيخفون من الله بذلك فأعلمهم سبحانه أنه حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل يعلم سرهم وعلانيتهم .

وعن عبد الله ابن شداد قال : كان المنافقون إذا مر أحدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وتغشى ثوبه لكيلا يراه فنزلت ، وعن الحسن قال : في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم وعن قتادة قال : كانوا يحنون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله .

وجملة { يعلم ما يسرون وما يعلنون } مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء لأن الله سبحانه يعلم ما يسرونه في أنفسهم أو في ذات بينهم وما يظهرونه فالظاهر والباطن عنده سواء والسر والجهر سيان { إنه عليم بذات الصدور } تعليل لما قبله وتقرير له ، وذات الصدور هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور وقيل هي القلوب .

والمعنى أنه عليم بجميع الضمائر أو عليم بالقلوب وأحوالها في الأسرار والإظهار فلا يخفى عليه شيء من ذلك .