فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا} (60)

{ و } اذكر { إذ قال موسى لفتاه } قيل ووجه ذكر هذه القصة في هذه السورة أن اليهود لما سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قصة أصحاب الكهف وقالوا : إن أخبركم فهو نبي وإلا فلا . ذكر الله قصة موسى والخضر تنبيها على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يلزمه أن يكون عالما بجميع القصص والأخبار ، وقد اتفق أهل العلم على أن موسى المذكور هاهنا هو موسى ابن عمران من سبط لاوي ابن يعقوب ، قال الكرخي : هذا هو الأصح كما قاله ابن عباس وعليه الجمهور من العلماء وأهل التاريخ وليس في القرآن موسى غيره .

وقالت فرقة منهم نوف البكالي : إنه ليس موسى ابن عمران وإنما موسى ابن ميشى ابن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران ، وهذا باطل قد رده السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم ، منهم ابن عباس كما في صحيح البخاري وغيره ، كيف ولو أراد شخصا آخر لوجب تعريفه بصفة توجب الامتياز بينهما وتزيل الشبهة ، فلما لم يميزه بصفة علمنا أنه موسى بن عمران ، والمراد بفتاه هو يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف . وقيل إنه أخ يوشع وقيل إنه عبده ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي{[1124]} والأول أولى وأصح ، وقد نبأه الله بعد موسى .

قال الواحدي : أجمعوا على أنه يوشع بن نون وقد مضى ذكره في المائدة وفي آخر سورة يوسف . ومن قال إنه موسى بن ميشى قال : إن هذا الفتى لم يكن يوشع بن نون . قال الفراء : وإنما سمي فتى موسى لأنه كان ملازما له يأخذ عنه العلم ويخدمه ويتبعه ، وهذا بيان وجه إضافته لموسى وكان ابن أخته .

ومعنى { لا أبرح } لا أزال سائرا ، ومنه قوله { لن نبرح عليه عاكفين } ، وبرح إذا كان بمعنى زال يزال فهو من الأفعال الناقصة وخبره محذوف لدلالة ما بعده وهو { حتى أبلغ } أي أنتهي ، قاله ابن زيد { مجمع البحرين } أي ملتقاهما . قال الزجاج : لا أبرح بمعنى لا أزال ، وقد حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه ، ولأن قوله حتى أبلغ غاية مضروبة فلا بد لها من ذي غاية ، فالمعنى لا أزال أسير إلى أن أبلغ ، ويجوز أن يراد لا يبرح مسيري حتى أبلغ ، وقيل معناه : لا أفارقك حتى أبلغ ، وقيل : يجوز أن يكون من برح التام بمعنى زال يزول فلا تستدعي حبرا عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه .

قيل : المراد بالبحرين بحر فارس والروم وهما نحو المشرق والمغرب ، قاله قتادة وقيل : بحر الأردن وبحر القلزم ، ومجمع البحرين عند طنجة ، قاله محمد بن كعب ، وقيل بإفريقية ، قاله أبي بن كعب ؛ وقيل : إن ملتقاهما عند البحر المحيط . وقالت طائفة ؛ المراد بالبحرين موسى والخضر ، وهو من الضعف بمكان . وقد حكا عن ابن عباس ولا يصح .

{ أو أمضي } أي أسير { حقبا } أي زمانا طويلا ، قال الجوهري : الحقب بالضم ثمانون سنة . وقال مجاهد : سبعون خريفا ، وقيل سنة واحدة بلغة قريش ، وفي معناه الحقبة بالكسر والضم وتجمع الأولى على حقب بكسر الحاء كقربة وقرب والثانية على حقب بضم الحاء كغرفة وغرف .

وقال النحاس : الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود ، كما أن رهطا وقوما مبهمان غير محدودين وجمعه أحقاب ، وسبب هذه العزمة على السير من موسى عليه السلام ما روي أنه سئل موسى من أعلم الناس ؟ فقال أنا ، فأوحى الله إليه أن عبدا لي بمجمع البحرين هو أعلم منك


[1124]:مسلم 2249 – البخاري 1251.