فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّهُمۡ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ قُبُلٗا} (55)

{ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى } قد تقدم الكلام على مثل هذا في سورة بني إسرائيل ، والناس هنا أهل مكة ، والهدى القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم { ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين } المعنى على حذف مضاف ؛ أي ما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلب أو انتظار إتيان سنة الأولين ، وإنما احتيج إلى حذف المضاف إذ لا يمكن جعل إتيان سنة الأولين مانعا عن إيمانهم ، فإن المانع يقارن الممنوع ، وإتيان العذاب متأخر عن عدم إيمانهم بمدة كثيرة .

وزاد الاستغفار في هذه السورة لأنه قد ذكر هنا ما فرط منهم من الذنب التي من جملتها جدالهم بالباطل ، وسنة الأولين هو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا عذاب الاستئصال . قال قتادة : عقوبة الأولين ، وقال الزجاج : سنتهم هو قولهم { إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } الآية .

{ أو يأتيهم العذاب } أي عذاب الآخرة { قبلا } جمع قبيل ، قاله الفراء أي متفرقا يتلوا بعضه بعضا ، وقيل عيانا وجهارا ، قاله الأعمش ، وقيل فجاءة . قاله مجاهد .

ويناسب ما قاله الفراء قراءة قبلا بضمتين فإنه جمع قبيل نحو سبيل وسبل والمراد أصناف العذاب ويناسب التفسير الثاني ، أي عيانا قراءة قبلا بكسر القاف وفتح الباء أي مقابلة ومعاينة ، وقرئ بفتحتين على معنى أو يأتيهم العذاب مستقبلا ، فحاصل معنى الآية أنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون إلا عند نزول عذاب الدنيا المستأصل لهم أو عند إتيان أصناف عذاب الآخرة أو معاينته .