فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ( 54 ) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ( 55 ) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ( 56 ) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ( 57 ) } .

ولما ذكر سبحانه افتخار الكفرة على فقراء المسلمين بأموالهم وعشائرهم وأجابهم عن ذلك وضرب لهم الأمثال الواضحة ، حكى بعض أهوال الآخرة فقال { ولقد صرفنا } أي كررنا ورددنا وبينا { في هذا القرآن للناس } أي لأجلهم ولرعاية مصلحتهم ومنفعتهم { من كل مثل } من الأمثال التي من جملتها الأمثال المذكورة في هذه السورة ليتذكروا ويتعظوا ، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة بني إسرائيل وحين لم يترك الكفار ما هم فيه من الجدل بالباطل ختم الآية بقوله { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } أي خصومة في الباطل .

قال الزجاج : المراد بالإنسان الكافر ، واستدل عليه بقوله تعالى { ويجادلوا الذين كفروا بالباطل } .

وقيل المراد به في الآية النضر بن الحرث ؛ وقيل أراد أبي بن خلف ، والظاهر العموم وأن هذا النوع أكثر شيء يتأتى منه الجدل جدلا ، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلا فقال ألا تصليان ، فقلت يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئا ، ثم سمعته يضرب فخذه ويقول { وكان الإنسان أكثر شيء جدلا } {[1123]} .


[1123]:مسلم 775 – البخاري 616.