{ ولكم في القصاص حياة } خطاب لمريدي القتل ظلما . وقال أبو السعود : بيان لمحاسن الحكم المذكور على وجه بديع لا تنال غايته ، حيث جعل الشيء وهو القصاص محلا لضده وهو الحياة ، ونكر الحياة ليدل على أن في هذا الجنس نوعا من الحياة عظيما لا يبلغه الوصف ، وذلك لأنهم كانوا يقتلون الجماعة بالواحد فتنشر الفتنة بينهم ، ففي شرع القصاص سلامة من هذا كله{[162]} . والمعنى لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله بقاء وحياة ، لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصا إذا قتل آخر كف عن القتل وانزجر عن التسرع إليه والوقوع فيه ، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية .
وهذا نوع من البلاغة بليغ ، وجنس من الفصاحة رفيع ، فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياة ، باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا إبقاء على أنفسهم واستدامة لحياتهم ، وقيل إن الحياة سلامة من القصاص في الآخرة ، فإنه إذا اقتص في الدنيا لم يقتص عنه في الآخرة والأول أولى .
وقال الخازن : هذا الحكم غير مختص بالقصاص الذي هو القتل ، بل يدخل فيه جميع الجروح والشجاج وغير ذلك ، وقرأ أبو الجوزاء { ولكم في القصص حياة } أي فيما قص عليكم من حكم القتل حياة أو في كتاب الله أي نجاة ، وقيل أراد حياة القلوب ، وقيل هو مصدر بمعنى القصاص . والكل ضعيف والقراءة به منكرة . { يا أولي الألباب } أي ذوي العقول الكاملة ، جعل هذا الخطاب موجها إلى أولي الألباب ، وناداهم للتأمل في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب ويتحامون ما فيه الضرر الآجل ، وأما من كان مصابا بالحمق والطيش والخفة فإنه لا ينظر عند سورة غضبه وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة ، ولا يفكر في أمر مستقبل ، والألباب جمع لب ، وهو العقل الخالي من الهوى ، سمي بذلك لأحد وجهين ؛ إما لبنائه من لب بالمكان أقام به ، وإما من اللباب وهو الخالص .
ثم علل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله { لعلكم تتقون } أي تعملون عمل أهل التقوى ، وتتحامون القتل بالمحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له ، فيكون ذلك سببا للتقوى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.