{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( 38 ) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ( 39 ) }
{ وقال فرعون : يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري } تمسك اللعين بمجرد الدعوى الباطلة مغالطة لقومه منه ، وقد كان يعلم أن ربه الله عز وجل والظاهر أنه لا يريد بإلهية نفسه كونه خالقا للسماوات والأرض وما بينهما ، فإن العلم بامتناع ذلك مما لا يخفى على أحد ، فالشك في ذلك يقتضي زوال العقل بالكلية ، فالمخذول لعنه الله كأنه يظن أن الأفلاك والكواكب كافية في اختلاف أحوال هذا العالم السفلي ، فلا حاجة إلى إثبات صانع .
قال القاضي : نفي علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه . ولذلك أمر ببناء الصرح ، قلت : هو رد على الزمخشري في قوله : إن المقصود بنفي العلم بالإله نفي وجوده ، ويمكن التوجيه بأن يقال : الوجود وجودان ، وجود ذهني ووجود خارجي والمراد في كلامه الأول .
ولا شك أنه إذا انتفى علم الإنسان بشيء انتفى وجوده في ذهنه ، ولكن ربما كان هذا غير مراد للزمخشري ، لأن الظاهر من كلامه الوجود الشائع عند أهل اللغة ، وهو الخارجي . قال سراج الدين : غرض صاحب الكشاف أن عدم الوجود سبب لعدم العلم بالوجود في الجملة ، ولا شك أنه كذلك فأطلق المسبب وأريد السبب ، لا أن بينهما ملازمة كلية على أنه لما كان من أقوى أسباب عدم العلم لأنه المطرد ، جاز أن يطلق ويراد به الوجود ، إذ لا يشترط عند علماء هذا الفن اللزوم العقلي ، بل العادي والعرفي كاف أيضا .
وقد يقول أحد منا : لا أعلم ذلك ، أي : لو كان موجودا لعلمته إذا قامت قرينة ، وهذا استعمال شائع في عرف العرب والعجم ، عند العامة والخاصة ، كيف ! وكان المخذول يدعي الإلهية ! فالظاهر أنه من الكناية لا من المجاز والمصنف إنما ذكر معلومية انتفاء العلم لانتفاء الوجود ليبين أن انتقاء العلم من روادف انتفاء الوجود انتهى . قال الشوكاني : وهو الذي خطر ببالي أنه الجواب ، لكنه عارض ذلك الخاطر إشكالات لا يتسع لها المقام انتهى .
وقد أشار أبو السعود في تفسيره إلى الجواب عن هذا الإشكال فقال : وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها ، فيلزم من انتفائها انتفاء معلوماتها ، ولا كذلك العلوم الانفعالية انتهى . وقد وافق على هذا القاضي ، ولاح لك عن هذا جوابان{[1347]} :
الأول : أنه ذكر نفي العلم ، وأراد نفي المعلوم بطريقة الكناية على الوجه الذي ذكره السراج .
الثاني : تخصيص العلم بالفعلي لا الانفعالي ، كما ذكره أبو السعود والبيضاوي .
والثالث : أن يراد بالوجود الوجود في ذهن المتكلم بتلك الكلمة ، وفي كل جواب من هذه الأجوبة كلام لا يلتبس على العالم بالفن قال الخفاجي وعلى كل حال فكلام القاضي لا يخلوا عن ضعف ، والذي غره فيه كلام صاحب الانتصاف انتهى .
قال ابن عباس : لما قال فرعون هذا القول قال جبريل : يا رب طغى عبدك فأذن لي في هلكه ، فقال : يا جبريل هو عبدي ولن يسبقني ، له أجل يجيء ذلك الأجل ، فلما قال : أنا ربكم الأعلى ! قال الله : يا جبريل سبقت دعوتك في عبدي ، وقد جاء أوان هلاكه .
وأخرج ابن مردويه عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلمتان قالهما فرعون { ما علمت لكم من إله غيري } ، { وقوله أنا ربكم الأعلى } قال : كان بينهما أربعون عاما فأخذه الله نكال الآخرة والأولى " .
ثم رجع إلى تكبره وتجبره وإيهام قومه بكمال اقتداره فقال :
{ فأوقد لي يا هامان على الطين } أي اطبخ لي الطين حتى يصير آجرا أي بعد اتخاذه لبنا ، عن قتادة قال : بلغني أن فرعون أول من طبخ الآجر ، وبنى به . وعن ابن جريج نحوه ، والنداء ب ( يا ) في وسط الكلام دليل التعظيم والتجبر .
{ فاجعل لي } من هذا الطين الذي توقد عليه حتى يصير آجر { صرحا } أي قصرا عاليا ، وقيل منارة ، روى أن هامان بنى صراحا لم يبلغه بناء أحد من الخلق ، وأراد الله أن يفتنهم فيه ، فضرب الصرح جبريل بجناحه فقطعه ثلاث قطع وقعت قطعة على عسكر فرعون ، وقطعة في البحر وقطعه في المغرب ولم يبق أحد من عماله إلا هلك .
{ لعلي أطلع إلى إله موسى } أي أصعد إليه وأنظر وأقف على حاله كأنه توهم أنه لو كان هناك إله كان جسما في السماء ، يمكن الرقي إليه والإطلاع الصعود والطلوع والإطلاع واحد ، يقال : طلع الجبل واطلع أي صعد .
{ وإني لأظنه } أي موسى { من الكاذبين } في دعواه أن للأرض والخلق إلها سواه ، وأنه أرسله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.