فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

{ فلما قضى موسى الأجل } الذي هو أكملهما وأوفاهما ، وهو العشرة الأعوام ، والفاء فصيحة ؛ عن ابن عباس أنه سئل أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : " أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل " ، وصححه الحاكم أقول : في قوله إذا قال رسول الله فعل نظر ، فإن موسى لم يقل إنه سيقضي أكثر الأجلين ، بل قال : أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن موسى قضى أتم الأجلين من طرق أخرج الخطيب في تاريخه عن خيره عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل : خيرهما وأبرهما : وإن سئلت أي المرأتين تزوج ؟ فقل الصغرى منهما ، وهي التي جاءت فقالت يا أبت استأجره " .

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبريل : يا محمد إن سألك اليهود أي الأجلين قضى موسى ؟ فقل : أوفاهما وإن سألوك أيهما تزوج ؟ فقل الصغرى منهما " فروايات أنه قضى أتم الأجلين لها طرق يقوي بعضها بعضا .

{ و } لما تم الأجل ودنا أيام الزلفة وظهرت أنوار النبوة { سار بأهله } زوجته بإذن أبيها إلى مصر ليشتركوا معه في لطائف صنع ربه ، وقيل : سار لصلة رحمه وزيارة أمه وأخيه وهذا أولى ، وفيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء .

{ آنس من جانب الطور } أي أبصر من الجهة التي تلي الطور { نارا } وذلك أنه كان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق ، وقد تقدم تفسير هذا في سورة طه مستوفى ، قال ابن عباس : لما قضى موسى الأجل سار بأهله فضل الطريق ، وكان في الشتاء ، فرفعت له نار فلما رآها ظن أنها نار وكانت من نور الله .

{ قال لأهله : امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر } أي لعلي أجد من يدلني على الطريق فإن لم أجد خبرا آتيكم بشهاب قبس وهو المراد بقوله { أو جذوة من النار } وهذا تقدم تفسيره أيضا في سورة طه ، وفي سورة النمل ، وقرئ جذوة بكسر الجيم ، وبضمها وبفتحها ، وهي لغات في العود الذي في رأسيه نار ، هذا هو المشهور ، وقيده بعضهم فقال : نار من غفير لهب وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه ، قال الجوهري الجذوة والجذوة الجمرة . والجمع جذى وجذيّ وجذيّ ، قال مجاهد : إن الجذوة قطعة من الجمر في لغة العرب ، وقال أبو عبيدة . هي القطعة الغليظة من الخشب كأن في طرفها نارا ولم تكن ، وليس المراد هنا إلا ما في رأسه نار قاله السمين .

{ لعلكم تصطلون } من البرد أي تستدفئون بالنار .