فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

ثم لما ذكر سبحانه { إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب } ذكر شرح الصدر للإسلام لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به فقال : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } . { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } أي وسعه لقبول الحق وفتحه للاهتداء إلى سبيل الخير ، قال السدي : وسع صدره للإسلام للفرح به ، والطمأنينة إليه . وشرح الصدر للإسلام عبارة عن تكميل الاستعداد له ، فإنه محل للقلب الذي هو منبع الروح التي تتعلق بها النفس القابلة للإسلام ، فانشراحه مستدع لانشراح القلب ، والكلام في الهمزة والفاء كما تقدم في { أفمن حق } ومن الخ مبتدأ وخبرها محذوف تقديره كمن قسا قلبه ، وطبع الله عليه ، وحرج صدره فلم يهتد .

ودل على هذا الخبر المحذوف قوله { فويل للقاسية قلوبهم } والمعنى أفمن وسع صدره للإسلام فقبله واهتدى بهديه { فَهُوَ } بسبب ذلك الشرح { عَلَى نُورٍ } أي على بيان وبصيرة ويقين وهداية { مِنْ رَبِّهِ } يفيض عليه كمن قسى قلبه لسوء اختياره ؟ فصار في ظلمات الضلالة وبليات الجهالة .

قال قتادة : النور كتاب الله به يؤخذ وإليه ينتهي . قال الزجاج تقدير الآية أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته ؟ قال ابن عباس من شرح الله صدره للإسلام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه .

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : ( تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية قلنا : يا نبي الله كيف انشراح صدره ؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح ، قلنا : فما علاقة ذلك يا رسول الله ؟ قال الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت ) .

وأخرج ابن مردويه عن محمد بن كعب القرظي مرفوعا مرسلا . وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر أن رجلا قال : ( يا نبي الله أي المؤمنين أكيس ؟ قال أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم له استعدادا ، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع ، فقالوا ما آية ذلك يا نبي الله ؟ قال الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت ) ، وأخرجه عن أبي جعفر عبد الله بن المسور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وزاد فيه ثم قرأ { أفمن شرح الله صدره للإسلام } .

{ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } قال الفراء والزجاج أي ذكر الله كما تقول اتخمت عن طعام أكلته ومن طعام أكلته والمعنى أنه غلظ قلبه وجفا عن قبول ذكر الله والقسوة جمود وصلابة تحصل في القلب ، يقال قسى القلب إذا صلب ، وقلب قاس أي صلب لا يرق ولا يلين ، وقيل المعنى من أجل ذكره الذي من حقه أن تنشرح له الصدور ، وتطمئن به القلوب ، والمعنى أنه إذا ذكر الله اشمأزوا ، والأول أولى ، ويؤيده قراءة من قرأ عن ذكر الله ، أي إذا ذكر الله عندهم أو آياته ازدادت قلوبهم قساوة ، كقوله : { فزادتهم رجسا إلى رجسهم } .

وقيل إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العنصر بعيدة عن قبول الحق فإن سماعها لذكر الله لا يزيدها إلا قسوة وكدورة كحر الشمس يلين الشمع ويعقد الملح ، فكذلك القرآن يلين قلوب المؤمنين عند سماعه ، ولا يزيد الكافرين إلا قسوة .

قال مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب ، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة ، وأخرج الترمذي ، وابن مردويه وابن شاهين في الترغيب في الذكر ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي ) .

والإشارة بقوله { أُولَئِكَ } إلى القاسية قلوبهم { فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي غواية ظاهرة واضحة