فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّا ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّيقَةٞۖ كَانَا يَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَيۡفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (75)

{ ما المسيح ابن مريم إلا رسول } أي هو مقصور على الرسالة لا يجاوزها كما زعمتم وجملة { قد خلت } صفة للرسول أي : ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا { من قبله } وما وقع من المعجزات لا يوجب كونه إلها فقد كان لمن قبله من الرسل مثلها ، فإن الله أحيا العصا في يد موسى ، وخلق آدم من غير أب فكيف جعلتم إحياء عيسى للموتى ووجوده من غير أب أنه يوجب كونه إلها فإن كان كما تزعمون إلها لذلك فمن قبله من { الرسل } الذين جاءوا بمثل ما جاء به آلهة وأنتم لا تقولون بذلك .

{ وأمة } عطف على المسيح أي : وما أمه إلا { صديقة } أي : صادقة فيما تقوله أو مصدقة لما جاء به ولدها من الرسالة وذلك لا يستلزم الإلهية لها بل هي كسائر من يتصف بهذا الوصف من النساء اللاتي يلازمن الصدق أو التصديق ويبالغن في الاتصاف به ، فما رتبتهما إلا رتبة بشرين أحدهما نبي والآخر صحابي ، فمن أين لكم أن تصفوهما بما لا يصف به سائر الأنبياء وخواصهم ، ووقع اسم الصديقة عليها لقوله تعالى : { وصدقت بكلمات ربها وكتبه } .

{ كانا يأكلان الطعام } استئناف يتضمن التقرير لما أشير إليه من أنهما كسائر أفراد البشر أي من كان يأكل الطعام كسائر المخلوقين فليس برب بل عبد مربوب ولدته النساء ، فمتى يصلح لأن يكون ربا وأما قولكم : إنه كان يأكل الطعام بناسوته لا بلاهوته فهو كلام باطل يستلزم اختلاط الإله بغير الإله ، ولو جاز اختلاط القديم بالحادث لجاز أن يكون القديم حادثا ولو صح هذا في حق عيسى لصح في حق غيره من البعاد .

{ انظر كيف نبين لهم الآيات } أي : الدلالات الواضحات على وحدانيتنا وفيه تعجب من حال هؤلاء الذين يجعلون تلك الأوصاف مستلزمة للإلهية ويغفلون عن كونها موجودة فيمن لا يقولون بأنه إله .

{ ثم انظر أنى يؤفكون } أي : يصرفون عن الحق بعد هذا البيان يقال : أفكه إذا صرفه ، وكرر الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب ، وجاء بثم لإظهار ما بين العجبين من التفاوت ، وقيل : الأول أمر بالنظر في كيفية إيضاح الله تعالى لهم الآيات وبيانها ، والثاني بالنظر في كونهم صرفوا عن تدبرها والإيمان بها .