فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ} (12)

{ و } ضرب الله مثلا للذين آمنوا { مريم ابنة عمران } أي حالها وصفتها فمثل حال المؤمنين بامرأتين ، كما مثل حال الكفار بامرأتين ، وقيل : التقدير اذكر مريم والمقصود من ذكرها أن الله سبحانه جمع لها بين كرامتي الدنيا والآخرة ، واصطفاها على نساء العالمين مع كونها بين قوم كافرين { التي أحصنت } حفظت { فرجها } عن الفواحش وعن الرجال فلم يصل إليها رجل لا بنكاح ولا بزنا ، والمحصنة العفيفة ، وقد تقدم تفسير هذا في سورة النساء ، قال المفسرون : المراد بالفرج هنا الجيب لقوله : { فنفخنا فيه من روحنا } المخلوقة لنا ، وذلك أن جبريل نفخ في جيب درعها أي طوق قميصها ، فحملت بعيسى عقب النفخ ، فالنفخ والحمل والوضع في ساعة واحدة ، والإسناد في نفخنا مجازي ، أي فأسند إلى الله من حيث أنه الخالق والموجد ، وقيل المراد بالروح روح عيسى التي صار بها حيا فوصلت إلى فرجها بواسطة نفخ جبريل ، وإضافة الروح إلى الله إضافة مخلوق لخالقه للتشريف .

{ وصدقت بكلمات ربها } يعني بشرائعه التي شرعها الله لعباده ، وقيل : المراد بالكلمات عيسى وقيل صحفه التي أنزلها على إدريس وغيره ، وقرأ الجمهور صدقت بالتشديد ، وقرئ بالجمع والمراد على الأول الجنس ، فيكون في معنى الجمع وهي الكتب المنزلة على الأنبياء كإبراهيم وموسى وابنها عيسى .

{ وكانت من القانتين } قال قتادة من القوم المطيعين لربهم ، وقال عطاء : من المصلين كانت تصلي بين المغرب والعشاء ، ويجوز أن يراد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم ، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة ، ولما كان القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين غلب ذكوره على إناثه ، وفيه إشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم ، ومن للتبعيض ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من القانتين ، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليهما السلام .

" عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ، ما قص الله علينا من خبرها في القرآن قالت رب ابن لي عندك الآية ( {[1598]} ) أخرجه أحمد والطبراني والحاكم ، وفي الصحيحين وغيرهما :

" من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ( {[1599]} ) .


[1598]:رواه أحمد.
[1599]:رواه مسلم.