فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا} (7)

{ إِنْ أَحْسَنتُمْ } أي : أفعالكم وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم ، { أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ } لأن ثواب ذلك عائد إليكم { وَإِنْ أَسَأْتُمْ } أفعالكم وأقوالكم فأوقعتموها لا على الوجه المطلوب منكم ، { فَلَهَا } أي : فعليها . ومثله قول الشاعر :

فخر صريعاً لليدين وللفم *** . . .

أي : على اليدين وعلى الفم . قال ابن جرير : اللام بمعنى إلى ، أي : فإليها ترجع الإساءة كقوله تعالى : { بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا } [ الزلزلة : 5 ] أي : إليها ؛ وقيل : المعنى : فلها الجزاء أو العقاب . وقال الحسين بن الفضل : فلها ربّ يغفر الإساءة ، وهذا الخطاب : قيل هو لبني إسرائيل الملابثين لما ذكر في هذه الآيات ، وقيل : لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : إعلامهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا مثل ذلك ، وقيل : هو خطاب لمشركي قريش . { فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخرة } أي : حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الآخرة ، والمرة الآخرة : هي قتلهم يحيى بن زكريا كما سبق ، وقصة قتله مستوفاة في الإنجيل ، واسمه فيه يوحنا ، قتله ملك من ملوكهم بسبب امرأة حملته على قتله ، واسم الملك لاخت قاله ابن قتيبة . وقال ابن جرير : هيردوس ، وجواب { إذا } محذوف ، تقديره : بعثناهم ، لدلالة جواب «إذا » الأولى عليه ، { يسؤووا وُجُوهَكُمْ } متعلق بهذا الجواب المحذوف أي : ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة ، وتتبين في وجوهكم الكآبة ، وقيل : المراد بالوجوه السادة منهم . وقرأ الكسائي ( لنسوء ) بالنون ، على أن الضمير لله سبحانه . وقرأ أبيّ : ( لنسوءن ) بنون التأكيد . وقرأ أبو بكر ، والأعمش ، وابن وثاب ، وحمزة ، وابن عامر «ليسوء » بالتحتية والإفراد . قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتته فقد تبرئه ، والضمير : لله أو الوعد { وَلِيَدْخُلُوا المسجد } معطوف على { ليسوءوا } . { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبّرُوا } أي : يدمروا ويهلكوا ، وقال قطرب : يهدموا ، ومنه قول الشاعر :

فما الناسُ إلاّ عامِلان فَعَاملٌ *** يُتَبِّر ما يَبْنِي ، وآخر رافع

وقرأ الباقون بالتحتية ، وضم الهمزة ، وإثبات واو بعدها على أن الفاعل عباد لنا { مَا عَلَوْاْ } أي : ما غلبوا عليه من بلادكم ، أو مدة علوهم { تَتْبِيرًا } أي : تدميراً ، ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقاً للخبر .

/خ11