فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا} (5)

{ فَإِذَا جَاء وَعْدُ أولاهما } أي : أولى المرتين المذكورتين { بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي : قوّة في الحروب وبطش عند اللقاء . قيل : هو بختنصر وجنوده ؛ وقيل : جالوت ؛ وقيل : جند من فارس ؛ وقيل : جند من بابل { فَجَاسُوا خلال الديار } أي : عاثوا وتردّدوا ، يقال : جاسوا وهاسوا وداسوا بمعنى ، ذكره ابن غرير والقتيبي . قال الزجاج : معناه طافوا خلال الديار ، هل بقي أحد لم يقتلوه ؟ قال : والجوس طلب الشيء باستقصاء . قال الجوهري : الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار ، أي : تخللوها ، كما يجوس الرجل للأخبار ، أي : يطلبها ، وكذا قال أبو عبيدة . وقال ابن جرير : معنى جاسوا طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين . وقال الفراء : معناه قتلوهم بين بيوتهم وأنشد لحسان :

وَمِنَّا الذي لاقى بسَيْفٍ مُحَمَدٍ *** فَجاسَ بِهِ الأعْدَاءَ عُرْض العَسِاكِرِ

وقال قطرب : معناه نزلوا . وأنشد قول الشاعر :

فجسنا ديارهم عنوة *** وأُبنَا بساداتهم موثقينا

وقرأ ابن عباس ( فحاسوا ) بالحاء المهملة . قال أبو زيد : الحوس ، والجوس ، والعوس ، والهوس : الطوف بالليل ، وقيل : الطوف بالليل هو الجوسان محركاً ، كذا قال أبو عبيدة . وقرئ ( خلل الديار ) . ومعناه معنى خلال وهو : وسط الديار { وَكَانَ } ذلك { وَعْدًا مفْعُولاً } أي : كائناً لا محالة .

/خ11