فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ} (25)

المواطن : جمع موطن ، ومواطن الحرب : مقاماتها ، والمواطن التي نصر الله المسلمين فيها هي : يوم بدر ، وما بعده من المواطن التي نصر الله المسلمين على الكفار فيها قبل يوم حنين ، { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } معطوف على مواطن بتقدير مضاف : إما في الأوّل وتقديره : في أيام مواطن ، أو في الثاني ، وتقديره : وموطن يوم حنين ، لئلا يعطف الزمان على المكان . وردّ بأنه لا استبعاد في عطف الزمان على المكان ، فلا يحتاج إلى تقدير . وقيل : إن يوم حنين منصوب بفعل مقدّر معطوف على { نَصَرَكُمُ } أي : ونصركم يوم حنين ، ورجح هذا صاحب الكشاف ، قال : وموجب ذلك أن قوله : { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ } بدل من يوم حنين ، فلو جعلت ناصبة هذا الظاهر لم يصح ؛ لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ، ولم يكونوا كثيراً في جميعها . وردّ بأن العطف لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف ، كما تقول : جاءني زيد ، وعمرو ، مع قومه ، أو في ثيابه أو على فرسه ، وقيل إن : { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } ليس ببدل من يوم حنين ، بل منصوب بفعل مقدّر : أي اذكروا إذا أعجبتكم كثرتكم . وحنين : واد بين مكة والطائف ، وانصرف على أنه اسم للمكان ، ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة ، ومنه قول الشاعر :

نصروا نبيهم وشدّوا أزره *** بحنين يوم تواكل الأبطال

وإنما أعجب من أعجب من المسلمين بكثرتهم لأنهم كانوا إثني عشر ألفاً . وقيل : أحد عشر ألفاً ، وقيل : ستة عشر ألفاً . فقال بعضهم : لن نغلب اليوم من قلة ، فوكلوا إلى هذه الكلمة ، فلم تغن الكثرة شيئاً عنهم ، بل انهزموا وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثبت معه طائفة يسيرة ، منهم : عمه العباس وأبو سفيان بن الحارث ، ثم تراجع المسلمون ، فكان النصر والظفر . والإغناء : إعطاء ما يدفع الحاجة ، أي لم تعطكم الكثرة شيئاً يدفع حاجتكم ، ولم تفدكم . قوله : { بِمَا رَحُبَتْ } الرحب بضم الراء : السعة ، والرحب بفتح الراء : المكان الواسع ، والباء بمعنى مع ، وما مصدرية ، ومحل الجار والمجرور النصب على الحال . والمعنى : أن الأرض مع كونها واسعة الأطراف ضاقت عليهم بسبب ما حلّ بهم من الخوف والوجل ؛ وقيل إن الباء بمعنى على : أي على رحبها { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } أي : انهزمتم حال كونكم مدبرين : أي مولين أدباركم ، جاعلين لها إلى جهة عدوّكم .

/خ27