فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَعۡتَذِرُونَ إِلَيۡكُمۡ إِذَا رَجَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡۚ قُل لَّا تَعۡتَذِرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكُمۡ قَدۡ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنۡ أَخۡبَارِكُمۡۚ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (94)

قوله : { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ } إخبار من الله سبحانه عن المنافقين المعتذرين بالباطل ، بأنهم يعتذرون إلى المؤمنين إذا رجعوا من الغزو ، وهذا كلام مستأنف ، وإنما قال : { إِلَيْهِمُ } أي : إلى المعتذرين بالباطل ، ولم يقل إلى المدينة ؛ لأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة ، وربما يقع الاعتذار عند الملاقاة قبل الوصول إليها . ثم أخبر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بما يجيب به عليهم ، فقال : { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } فنهاهم أوّلا عن الاعتذار بالباطل ، ثم علله بقوله : { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } أي : لن نصدقكم ، كأنهم ادّعوا أنهم صادقون في اعتذارهم ، لأن غرض المعتذر أن يصدّق فيما يعتذر به ، فإذا عرف أنه لا يصدّق ترك الاعتذار ، وجملة { قَدْ نَبَّأَنَا الله مِنْ أَخْبَارِكُمْ } تعليلية للتي قبلها : أي لا يقع منا تصديق لكم لأن الله قد أعلمنا بالوحي ما هو مناف لصدق اعتذاركم ، وإنما خصّ الرسول صلى الله عليه وسلم بالجواب عليهم ، فقال : { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ } مع أن الاعتذار منهم كائن إلى جميع المؤمنين ، لأنه صلى الله عليه وسلم رأسهم ، والمتولي لما يرد عليهم من جهة الغير ، ويحتمل أن يكون المراد بالضمير في قوله : { إِلَيْكُمْ } هو الرسول صلى الله عليه وسلم على التأويل المشهور في مثل هذا .

قوله : { وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ } أي : ما ستفعلونه من الأعمال فيما بعد هل تقلعون عما أنتم عليه الآن من الشرّ أم تبقون عليه ؟ . وقوله : { وَرَسُولُهُ } معطوف على الاسم الشريف ، ووسط مفعول الرؤية إيذانا ، بأن رؤية الله سبحانه لما سيفعلونه من خير أو شرّ هي التي يدور عليها الإثابة أو العقوبة ، وفي جملة : { ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالم الغيب } إلى آخرها تخويف شديد ، لما هي مشتملة عليه من التهديد ، ولا سيما ما اشتملت عليه من وضع الظاهر موضع المضمر ، لإشعار ذلك بإحاطته بكل شيء يقع منهم مما يكتمونه ويتظاهرون به ، وإخباره لهم به ومجازاتهم عليه .

/خ99