فلا يغررك : فلا يخدعك عيشهم سالمين .
تقلبهم في البلاد : التصرُّف والتنقل في بلاد الشام واليمن بالتجارات الرابحة ، فإن عاقبتهم النار والهلاك .
4- { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } .
أخرج ابن أبي حاتم ، قال : نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي .
وتفيد آيات القرآن الكريم ، والسيرة المطهرة أن الجدال نوعان :
جدال بالحق لتبيّن آيات القرآن وتفهم معناها ، وهو نقاش محمود .
وجدال بالباطل ، مثل قولهم : إن القرآن سحر وشعر وكهانة ، وأساطير الأولين وافتراء من عند محمد ، محاولة من كفار مكة وأغنيائها لتقرر الباطل ، ودحض الحق ، وإبطال الإيمان ، بالاعتماد على الشبهات بعد وضوح الحق ، وسطوع حجة البيان القرآني ، والإعجاز لكتاب الله ، وقد كان كفار مكة يسخرون من المؤمنين ، ويحاولون تشكيك المسلمين في عقيدتهم ، ويوجّهون التهم الكاذبة إلى الإسلام والقرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا ، فلا يخدعك أيها الرسول الأمين تقلبهم في البلاد ، بين الشام واليمن في تجارة رابحة ، مع تمتعهم بالغنى والجاه والأمن والرفعة في الدنيا ، لأن ذلك إمهال لهم وليس إهمالا ، فسوف يرون الهلاك في الدنيا ، والعذاب في الآخرة .
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } ( آل عمران 196 ، 197 ) .
ويقول سبحانه : { نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } . ( لقمان : 24 ) .
وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . {[615]}
ولقد كان القرآن يحاور المشركين بالحق ، فيلفت أنظارهم إلى الكون وما فيه ، ويستحضر أمامهم حقائق التاريخ ، ومشاهد القيامة ، رجاء هدايتهم ، وأحيانا يدفعهم الكبر عن قبول الحق ، وبيّن أن تكذيب المترفين وعناد المتكبرين أمر عرفته البشرية في تاريخها الطويل ، فليس تكذيب أهل مكة بدعا أو غريبا عن تكذيب الكافرين لرسلهم .
{ مَا يجادل فِى ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ } نزلت على ما قال أبو العالية في الحرث بن قيس السلمي أحد المستهزئين ، والمراد بالجدال الجدال بالباطل من الطعن في الآيات والقصد إلى ادحاض الحق وإطفاء نور الله عز وجل لقوله تعالى بعد ، { وجادلوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق } فإنه مذكور تشبيهاً لحال كفار مكة بكفار الأحزاب من قبل وإلا فالجدال فيها لإيضاح ملتبسها وحل مشكلها ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ورد أهل الزيغ عنها أعظم جهاد في سبيل الله تعالى ؛ وفي قوله صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه عبد بن حميد عن أبي هريرة مرفوعاً : «إن جدالاً في القرآن كفر » إيماء إلى ذلك حيث ذكر فيه جدالاً منكراً للتنويع فأشعر أن نوعاً منه كفر وضلال ونوعاً آخر ليس كذلك .
والتحقيق كما في الكشف إن المجادلة في الشيء تقتضي أن يكون ذلك الشيء إما مشكوكاً عند المجادلين أو أحدهما أو منكراً كذلك ، وأياً ما كان فهو مذموم اللهم إلا إذا كان من موحد لخارج عن الملة أو من محقق لزائغ إلى البدعة فهو محمود بالنسبة إلى أحد الطرفين ، وأما ما قيل : إن البحث فيها لإيضاح الملتبس ونحوه جدال عنها لا فيها فإن الجدال يتعدى بعن إذا كان للمنع والذب عن الشيء وبفي لخلافه كما ذكره الإمام وبالباء أيضاً كما في قوله تعالى : { وجادلهم بالتي هِىَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] ففيه بحث ، وفي قوله تعالى : { في آيات الله } دون فيه بالضمير العائد إلى { الكتاب } [ غافر : 2 ] دلالة على أن كل آية منه يكفي كفراً لمجادلة فكيف بمن ينكره كله ويقول فيه ما يقول ، وفيه أن كل آية منه آية أنه من الله تعالى الموصوف بتلك الصفات فيدل على شدة شكيمة المجادلة في الكفر وانه جادل في الواضح الذي لا خفاء به ، ومما ذكر يظهر اتصال هذه الآية بما قبلها وارتباط قوله تعالى : { فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى البلاد } بها أي إذا علمت ان هؤلاء شديدو الشكائم في الكفر قد خسروا الدنيا والآخرة حيث جادلوا في آيات الله العزيز العليم وأصروا على ذلك فلا تلتفت لاستدراجهم بتوسعة الرزق عليهم وإمهالهم فإن عاقبتهم الهلاك كما فعل بمن قبلهم من أمثالهم مما أشير إليه بقوله سبحانه :
{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } الخ ، والتقلب الخروج من أرض إلى أخرى . والمراد بالبلاد بلاد الشام واليمن فإن الآية في كفار قريش وهم كانوا يتقلبون بالتجارة في هاتيك البلاد ولهم رحلة الشتاء لليمن ورحلة الصيف للشام ، ولا بأس في إرادة ما يعم ذلك وغيره ، وقرأ زيد بن علي . وعبيدة بن عمير { فَلا } بالادغام مفتوح الراء وهي لغة تميم والفك لغة الحجازين ، وبدأ بقوم نوح لأنه عليه الصلاة والسلام على ما في البحر أول رسول في الأرض أو لأنهم أول قوم كذبوا رسولهم وعتوا عتواً شديداً
{ 4 - 6 } { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ }
يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا ، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل ، فهذا من صنيع الكفار ، وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحض به الباطل ، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية ، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال : { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } أي : ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب ، بل الواجب على العبد ، أن يعتبر الناس بالحق ، وينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس ، ولا يزن الحق بالناس ، كما عليه من لا علم ولا عقل له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.