تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

المفردات :

واختلاف الليل والنهار : تعاقبهما وتفاوت أحوالهما .

رزق : مطر يتسبب عنه الرزق .

أحيا به الأرض : أحياها بالزرع .

موتها : جفافها ويبسها .

تصريف الرياح : اختلاف أحوالها .

التفسير :

5- { واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون } .

وفي اختلاف الليل والنهار ، من التعاقب والطول والقصر ، والحر والقر ، والنور والظلمة ، وما يتبع ذلك من تغاير الفصول ، واختلاف المنافع ، وفيما نزل الله من السحاب من مطر تحيا به الأرض بعد جفافها ، ويكون رزقا للإنسان والحيوان والطيور ، وفي تصريف الرياح ، فتهب مرة جنوبا وأخرى شمالا ، وحينا صبا بالرحمة وماء السحاب ، وحينا دبورا تبعث العذاب ، وفيما تؤديه من تلقيح النبات ، وتيسير سير السفن في الأنهار والمحيطات ، إن في ذلك كله لعلامات واضحة لقوم يستخدمون عقولهم ، ليعلموا أن لهذه الأشياء صانعا حكيما ، وخالقا قادرا عظيما .

وقد أفاد فخر الدين الرازي في تفسيره أن هذه العلامات المتعددة بآيات الله ، إذا نظر إليها الإنسان متأملا ؛ قاده ذلك إلى الإيمان ، لذلك قال سبحانه في الآية الثالثة : { إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين } .

وإذا تأمل في خلقه وتدرجه في بطن أمه ، وفي حياته طفلا ويافعا وشابا وشيخا ، ازداد يقينا بهذا الإيمان ، لذلك نجد الآية الرابعة : { وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون } .

وإذا تأمل في حركة الكرة الأرضية وحركة الشمس ، وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار ، ونزول المطر ، وتصريف الرياح بأنواعها المتعددة ، كان ذلك وسيلة إلى يقين العقل والفكر بقدرة الخالق سبحانه ، لذلك جاء في الآية الخامسة : { واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون } .

وقريب من هذا الكلام ما ذكره الجمل في حاشيته على الجلالين ، حيث أفاد أن التعقيب كان على دلائل القدرة كالآتي : { لآيات للمؤمنين } . ثم : { لقوم يوقنون } . ثم : { لقوم يعقلون } . لأن الإنسان إذا نظر في هذا الخلق آمن ، وإذا نظر في خلق نفسه ونموها ازداد إيمانا فأيقن ، وإذا نظر في سائر الحوادث عقل واستحكم علمه ، فاختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة والظهور .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

{ واختلاف اليل والنهار } بالجر على إضمار في ، وقد قرأ عبد الله بذكره . وجاء حذف الجار مع إبقاء عمله كما في قوله :

إذا قيل أي الناس شر قبيلة *** أشارت كلبب بالأكف الأصابع

وحسن ما هنا ذكر الجار في الآيتين قبل . وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ خبره { ءايات } بعد ، والمراد باختلافهما تعاقبهما أتفاوتهما طولاً وقصراً ، وقيل : اختلافهما في أن أحدهما نور والآخر ظلمة { وَمَا أَنزَلَ الله } عطف على { اختلاف } { مّنَ السماء } جهة العلو ، وقيل : السحاب ، وقيل : الجرم المعروف بضرب من التأويل .

{ مِن رّزْقِ } من مطر ، وسمي رزقاً لأنه سببه فهو مجاز ، ولو لم يؤل صح لأنه في نفسه رزق أيضاً .

{ فَأَحْيَا بِهِ الارض } بأن أخرج منها أصناف الزرع والثمرات والنبات ، والسببية عادية اقتضتها الحكمة { بَعْدَ مَوْتِهَا } يبسها وعرائها عن آثار الحياة وانتفاء قوة التنمية عنها { وَتَصْرِيفِ الرياح } من جهة إلى أخرى ومن حال إلى حال ، وتأخيره عن إنزال المطر مع تقدمه عليه في الوجوه إما للإيذان بأنه آية مستقلة حيث لو روعي الترتيب الوجودي لربما توهم أن مجموع تصريف الرياح وإنزال المطر آية واحدة ، وإما لأن كون التصريف آية ليس بمجرد كونه مبدأ لإنشاء المطر بل له ولسائر المنافع التي من جملتها سوق السفن في البحار .

وقرأ زيد بن علي . وطلحة . وعيسى { وَتَصْرِيفِ الرياح } بالأفراد { ءايات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } بالرفع على أنه مبتدأ خبره ما تقدم من الجار والمجرور أعني { فِى اختلاف } على ما سمعت ، والجملة معطوفة على ما قبلها .

وقيل : إن { اختلاف } بالجر عطف على { خَلَقَكُمْ } [ الجاثية : 4 ] المجرور بفي قبله و { ءايات } عطف على { آيات } [ الجاثية : 4 ] السابق المرفوع بالابتداء ، وفيه العطف على معمولي عاملين مختلفين ، ومن الناس من يمنعه وهم أكثر البصريين ، ومنهم من يجيزه وهم أكثر الكوفيين ، ومنهم من يفصل فيقول : وهو جائز في نحو قولك : في الدار زيد والحجرة عمرو وغير جائز في نحو قولك : زيد في الدار وعمر والحجرة لأن الأول يلي المجرور فيه العاطف فقام العاطف مقام الجار ، والثاني لم يل فيه المجرور العاطف فكان فيه إضمار الجار من غير عوض ، وتمام الكلام في هذه المسألة في محله ؛ وقيل : إن { اختلاف } عطف على المجرور قبل و { ءايات } خبر مبتدأ محذوف أي هي آيات ؛ واختاره من لم يجوز العطف على معمولي عاملين ويقول بضعف حذف الجار مع بقاء عمله وإن تقدمه ذكر جار .

وقال أبو البقاء : { ءايات } مرفوع على التأكيد لآيات السابق وهم يعيدون الشيء إذا طال الكلام في الجملة للتأكيد والتذكير .

وتعقب بأن ذلك إنما يكون بعين ما تقدم واختلاف الصفات يدل على تغاير الموصوفات فلا وجه للتأكيد ، وأيضاً فيه الفصل بين المعطوف المجرور والمعطوف عليه وبين المؤكد والمؤكد وهو إن جاز يورث تعقيداً ينافي فصاحة القرآن العظيم . وقرأ { ءايات } هنا بالنصب من قرأها هناك به فهي مفعول لفعل محذوف أي أعني آيات ، وقيل : العاطف في قوله تعالى : { واختلاف } عطف اختلاف على المجرور بفي قبل وعطفها على اسم { إن } [ الجاثية : 3 ] وهو مبني على جواز العطف على معمولي عاملين ، وقال أبو البقاء : هي منصوبة على التأكيد والتكرير لاسم إن نحو إن بثوبك دماً وبثوب زيد دماً ، ومر آنفاً ما فيه .

وقال بعضهم : إنها اسم إن مضمرة وهي قد تضمر ويبقى عملها ، ذكر أبو حيان في الارتشاف في الكلام على إن من خير النار أو خيرهم زيد أن محمل بن يحيى بن المبارك اليزيدي ذهب إلى نصب خيرهم ورفع زيد فاسم إن محذوف وأو خيرهم منصوب بإضمار إن لدلالة إن المذكورة تقديره إن من خير الناس زيداً وإن خيرهم زيد . وقد أقر الشاطبي تخريج النصب في الآية على ذلك لكن نقله السفاقسي عن أبي البقاء ورده بأن إن لا تضمر .

وقال ابن هشام في آخر الباب الرابع من المغني : : إنه بعيد ، والظاهر أنه لا بد عليه من إضمار الجار في { اختلاف } وحينئذ لا يخفى حاله ، وسائر القراءات مروية هنا عمن رويت عنه فيما تقدم ، وتنكير { ءايات } في الآيات للتفخيم كما وكيفا ، والمعنى إن المنصفين من العباد إذ نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح علموا أنها مصنوعة وأنها لا بد لها من صانع فآمنوا بالله تعالى وأقروا ، وإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وهيئة إلى أخرى وفي خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا ايماناً وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بعد موتها وتصريف الرياح جنوباً وشمالاً وقبولاً ودبوراً وشدة وضعفاً وحرارة وبرودة عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم كذا في «الكشاف » ومنه يعلم نكتة اختلاف الفواصل .

وفي «الكشف » أنه ذكر ما حاصله أنه على سبيل الترقي وهو يوافق ما عليه الصوفية وغيرهم من أن الايقان مرتبة خاصة في الإيمان ، ثم العقل لما كان مدارهما أي الإيمان والإيقان ونعني به العقل المؤيد بنور البصيرة جعله لخلوص الايقان من اعتراء الشكوك من كل وجه ففي استحكامه كل خير ، وروعي في ترتيب الآيات ما روعي في ترتيب المراتب الثلاث من تقديم ما هو أقدم وجوداً ، ولا يلزم أن تكون الآية الثانية أعظم من الأولى ولا الثالثة من الثانية لما ذكره من أن الجامع بين النظرين موقن وبين الثلاثة عاقل على أنها كذلك في تحصيل هذا الغرض فإن كانت أعظم من وجه آخر فلا بأس فإن النظر إلى حال نفسه وما هو من نوعه ثم جنسه من سائر الأناسي والحيوان للقرب والتكرر وكثرة العدد أدخل في انتفاء الشك وحصول اليقين وإن كان النظر في السماء والأرض أتم دلالة على كمال القدرة والعلم فذلك لا يضر ولا هو المطلوب ههنا ثم النظر إلى اختلاف المذكور أدل على استحكام ذلك اليقين من حيث أنه يتجدد حيناً فحيناً ويبعث على النظر والاعتبار كلما تجدد هذا ، والتحقيق أن تمام النظر في الثاني يضطر إلى النظر في الأول لأن السموات والأرض من أسباب تكون الحيوان بوجه ، وكذلك النظر في الثالث يضطر إلى النظر في الأولين ، أما على الأول فظاهر من أسباب تكون الحيوان بوجه ، وكذلك النظر في الثالث يضطر إلى النظر في الأولين ، أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلأنه العلة الغائية فلا بد من أن يكون جامعاً انتهى ، وهو كلام نفيس جداً .

وقال الإمام في ترتيب هذه الفواصل : أظن أن سببه أنه قيل إن كنتم مؤمنين فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين بل كنتم من طلاب الجزم واليقين فافهموا هذه الدلائل وإن كنتم لستم من المؤمنين ولا من الموقنين فلا أقل من أن تكونوا من زمرة العاقلين فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل ، ولا يخفى أنه فاته ذلك التحقيق ولم يختر الترقي وهو بالاختيار حقيق ، والمغايرة بين ما هنا وما في سورة البقرة ( 164 ) أعني { إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تَجْرِى في البحر بِمَا يَنفَعُ الناس } الآية للتفنن والكلام المعجز مملوء منه ، وذكر الإمام في ذلك ما لا يهش له السامع فتأمل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (5)

وما أنزل الله من الماء الذي يحيي به الله البلاد والعباد .