يمنون عليك : يذكرون ذلك ذكر من اصطنع لك صنيعة وأسدى إليك نعمة .
17- { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } .
يمنون عليك أيها الرسول بإيمانهم ، ويتفضلون ويظهرون المن والنعمة عليك بإيمانهم ، حيث قالوا : جئناك بالأثقال والعيال ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، فقل لهم أيها الرسول الكريم : { لا تمنوا علي إسلامكم . . . } فهو إيمان مدخول ، واستسلام ظاهر رغبة في غنائم الدنيا .
أما الإيمان الحقيقي فهو نور من الله ، وهداية وبصيرة صادقة ، ويقين حقيقي بالله الخالق الرازق ، المعطي المانع ، والهداية الحقيقية لهذا الإيمان منحة من الله ، فمنه الهداية والمشيئة والتوفيق والرعاية ، وله سبحانه وتعالى الفضل والمنة لأنه هداكم للإيمان ، ووفقكم للدخول فيه ، إن كنتم صادقين في دعواكم .
والآية نموذج رشيق لطيف في دحض حجة الخصم ، وتقويم سلوكه ، وإرشاده إلى الحقائق ، وفتح باب الأمل لإرشاده إلى السلوك الأمثل ، والطريق القويم ، وتذكرنا هذه الآية بموقف النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ، وانتصاره في معركة حنين والطائف ، فقد وزع الغنائم بين أهل مكة ، ولم يعط الأنصار شيئا منها إلا رجلين فقيرين من الأنصار ، فقالت الأنصار : لقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله ، فجمع الرسول صلى الله عليه وسلم الأنصار ، وقال لهم : ( يا معشر الأنصار ، ما مقالة بلغتني عنكم ) ؟ فقالوا : قلنا : لقد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فآلفكم الله بي ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي ) ؟ قالوا : بلى ، الله ورسوله أمنّ وأفضل ، أو : لله ورسوله الفضل والمنة ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أما والله إن شئتم لقلتم فصدقتم وصُدِّقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك ، وطريدا فآويناك ، ووحيدا فجمعناك ، يا معشر الأنصار ، أئذا أعطيت بعض الناس لعاعة من الدنيا أتألفهم بها ، وتركتكم إلى الإيمان تغضبون ؟ أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير ، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ؟ فوالذي نفسي بيده ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس فجا ، وسلك الأنصار فجا ، لسلكت طريق الأنصار ، اللهم اغفر للأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ) . فبكى الأنصار حتى اخضلت لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } أي يعتدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثواباً ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته ، وقال الراغب : هي النعمة الثقيلة من المن الذي يوزن به وثقلها عظمها أو المشقة في تحملها ، { وَأَنْ أَسْلَمُواْ } في موضع المفعول ليمنون لتضمينه معنى الاعتداد أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوباً بنزع الخافض أو مجروراً بالحرف المقدر أي يمنون عليك بإسلامهم ، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى : { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم } فهو إما على معنى لا تعتدوا إسلامكم منة علي أو لا تمنوا علي بإسلامكم ، وجوز أبو حيان أن يكون { أَنْ أَسْلَمُواْ } مفعولاً من أجله أي يتفضلون عليك لأجل إسلامهم { بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هداكم للإيمان } أي ما زعمتم في قولكم { آمنا } [ الحجرات : 14 ] فلا ينافى هذا قوله تعالى : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } [ الحجرات : 14 ] أو الهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم وينافي نفي الإيمان السابق .
وقرأ عبد الله . وزيد بن علي { إِذْ هَداكُمْ } بإذ التعليلية ، وقرئ { إن هَداكُمْ } بإن الشرطية { إِن كُنتُمْ صادقين } أي في ادعاء الإيمان فهو متعلق الصدق لا الهداية فلا تغفل ؛ وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم ، ولا يخفى ما في سياق الآية من اللطف والرشاقة ، وذلك أن الكائن من أولئك الأعراب قد سماه الله تعالى إسلاماً إظهاراً لكذبهم في قولهم : آمنا أي أحدثنا الإيمان في معرض الامتنان ونفى سبحانه أن يكون كما زعموا إيماناً فلما منوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منهم قال سبحانه لرسوله عليه الصلاة والسلام : يعتدون عليك بما ليس جديراً بالاعتداد به من حديثهم الذي حق تسميته أن يقال له إسلام فقل لهم : لا تعتدوا على إسلامكم أي حديثكم المسمى إسلاماً عندي لا إيماناً ، ثم قال تعالى : بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه حيث هداكم للإيمان على ما زعمتم ، وفي قوله تعالى : { إسلامكم } بالإضافة ما يدل على أن ذلك غير معتد به وأنه شيء يليق بأمثالهم فأنى يخلق بالمنة ، وللتنبيه على أن المراد بالإيمان الإيمان المعتد به لم يضفه عز وجل ، ونبه سبحانه بقوله جل وعلا : { إِن كُنتُمْ صادقين } على أن ذلك كذب منهم ، واللطف في تقديم التكذيب ثم الجواب عن المن مع رعاية النكت في كل من ذلك ، وتمام الحسن في التذييل بقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السموات والارض } .
فكما أنه تعالى يمن{[808]} عليهم ، بالخلق والرزق ، والنعم الظاهرة والباطنة ، فمنته عليهم بهدايتهم إلى الإسلام ، ومنته عليهم بالإيمان ، أعظم{[809]} من كل شيء ، ولهذا قال تعالى : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.