جزءا : ولدا ، إذ قالوا : الملائكة بنات الله ، وعبر عن الولد بالجزء لأنه بضعة ممن ولد له ، كما قال شاعرهم :
إنما أولادنا أكبا *** دنا تمشي على الأرض
15- { وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين } .
في الآيات السابقة اعترفوا بأن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض ، ومع هذا الاعتراف له بمقام الألوهية ، وهذا يقتضي تنزيه الله عن النظير وعن المثيل ، وأن الخلق جميعا عباده ، إلا أنهم نسبوا الملائكة إليه ، وقالوا : الملائكة بنات الله ، وهذا كفر واضح ، فالخلق جميعا عبيده ، فلا يجعل جزءا منهم بناته .
قال تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى } . ( النجم : 21 ، 22 ) .
فهو سبحانه يناقشهم بمنطقهم ، ويفحمهم ، بأنه هو الخالق المبدع ، وعلى فرض أنه أراد أن يتخذ ولدا لاصطفى لنفسه الأفضل من الذرية ، وهم الذكور .
قال تعالى : { لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار } . ( الزمر : 4 ) .
أخرج ابن المنذر عن قتادة قال : قال ناس من المنافقين : إن الله صاهر الجن ، فخرجت من بينهم الملائكة ، فنزل فيهم : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا . . . } ( الزخرف : 19 ) .
والخلاصة : إن الإله سبحانه وتعالى منزه عن الصاحبة والولد ، وهو واحد متفرد بالملك .
قال تعالى : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبِّره تكبيرا } . ( الإسراء : 111 ) .
إن جنس الكافر يعتقد اعتقادات باطلة ، وهي كفر واضح ، حيث تنسب لله تعالى ما لا يليق .
قال تعالى : { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا أحد } . ( الإخلاص : 1-4 ) .
{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا } متصل بقوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [ الزخرف : 9 ] إلى آخره فهو حال من فاعل { لَّيَقُولَنَّ } بتقدير قد أو بدونه ، والمراد بيان أنهم مناقضون مكابرون حيث اعترفوا بأنه عز وجل خالق السموات والأرض ثم وصفوه سبحانه بصفات المخلوقين وما يناقض كونه تعالى خالقاً لهما فجعلوا له سبحانه جزأً وقالوا : الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ، وعبر عن الولد بالجزء لأنهب ضعة ممن هو ولد له كما قيل : أولادنا أكبادنا ، وفيه دلالة على مزيد استحالته على الحق الواحد الذي لا يضاف إليه انقسام حقيقة ولا فرضاً ولا خارجاً ولا ذناً جل شأنه وعلا ، ولتأكيد أمر المناقضة لم يكتف بقوله تعالى : { جزأ } وقيل { يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } لأنه يلزمهم على موجب اعترافهم أن يكون ما فيهما مخلوقه تعالى وعبده سبحانه إذ هو حادث بعدهما محتاج إليهما ضرورة .
وقيل : الجزء اسم للإناث يقال : أجزأت المرأة إذ ولدت أنثى ، وأنشد قول الشاعر :
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب *** قد تجزىء الحرة المذكار أحياناً
زوجتها من بنات الأوس مجزئة *** للعوسج اللدن في أنيابها زجل
وجعل ذلك الزمخشري من بدع التفاسير وذكر أن ادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث كذب عليهم ووضع مستحدث منخول وأن البيتين مصنوعان ، وقال الزجاج : في البيت الأول لا أدري قديم أم مصنوع .
ووجه بعضهم ذلك بأن حواء خلقت من جزء آدم عليه السلام فاستعير لكل الإناث .
وقرأ أبو بكر عن عاصم { جزأ } بضمتين ، ثم للكلام وإن سيق للفرض المذكور يفهم منه كفرهم لتجسيم الخالق تعالى والاستخفاف به جل وعلا حيث جعلوا له سبحانه أخس النوعين بل إثبات ذلك يستدعي الإمكان المؤذن بحدوثه تعالى فلا يكون إلهاً ولا بارئاً ولا خالقاً تعالى عما يقولون وسبحانه عما يصفون ، وليس الكلام مساقاً لتعديد الكفران كما قيل . وقوله تعالى : { جُزْءا إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } لا يقتضيه فإن المراد المبالغة في كفران النعمة وهي في إنكار الصانع أشد من المبالغة في كفرهم به كما أشير إليه ، و { مُّبِينٌ } من أبان اللازم أي ظاهر الكفران ، وجوز أن يكون من المتعدي أي مظهر كفرانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.