تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

1

التفسير :

3- { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم } .

مثلما أوحينا إليك في هذه السورة وغيرها ، أوحينا إلى الذين من قبلك من المرسلين ، مثل نوح وهود وصالح وموسى وعيسى ، فمحمد ليس بدعا من الرسل ، والوحي إليه أصيل وثابت للرسل السابقين عليه ، فالوحي لغة : الإعلام ، وشرعا : إعلام الله تعالى من يختاره من البشر ، ليبلغه بالتشريع والأحكام التي يريد الله أن يبلغها لعباده .

فالموحي هو الله ، والملاك جبريل أمين الوحي ، والوحي هو الرسالة التي ينقلها جبريل عن الله إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وإخوانه السابقين عليه ، ليبلغوها للمرسل إليهم ، والوحي فيه عناية السماء بالأرض ، وتشريف للرسل ، وتشريف لنا نحن المرسل إليهم ، حيث أنزل الله علينا الوحي ، واختار لنا رسولا مبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وجعله الله تعالى خاتم النبيين الذين يوحى إليهم ، فالرسول أعم من النبي ، لأن الرسول يوحى إليه بشرع ويكلف بالتبليغ ، والنبي يوحى إليه بشرع ولا يكلف بالتبليغ ، ومن ثم فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ، فإذا ختم الله النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقد ختم المرسلين أيضا ، فمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وهو أيضا خاتم المرسلين .

وقد قرأ حفص ( خاتَم ) بفتح التاء ، وقرأ الستة الباقون من القراء ( خاتِم ) بكسر التاء .

قال تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما } . ( الأحزاب : 40 ) .

فالوحي شرف للبشرية ، وهداية من السماء ، وعناية عليا من الله بعباده ، حيث يختار بعض خلقه ليحملوا هدى السماء وتشريع الله ، وآداب الوحي ، وأخبار الأمم ، ومعالم القيامة ليوصلوا كل ذلك إلى البشر ، حتى تبلغهم الحجة ، ويصل إليهم الدليل على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .

وفي سورة النساء الآيات ( 163-166 ) يقول تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ( 163 ) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ( 164 ) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 165 ) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( 166 ) } .

وخلاصة ما تشير إليه الآية الثالثة من سورة الشورى أن الله تعالى ذكر معاني هذه السورة في القرآن الكريم وفي جميع الكتب السماوية ؛ لما فيها من الإرشاد إلى الحق ، وهو { العزيز } . الغالب في انتقامه ، { الحكيم } . في أقواله وأفعاله .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

والكاف ، في اسم الإشارة { كذلك } في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ؛ أي مثل ذلك الإيحاء الذي أوحي إلى سائر النبيين من الكتب السماوية يوحى إليك في هذه السورة . أو مثل ذلك الوحي ، أو القرآن يوحي إليك وإلى الرسل من قبلك { اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } على أن قوله : { يُوحى } يقرأ بكسر الحاء . ولفظ الجلالة { الله } مرفوع على أنه فاعل{[4079]} . والمعنى : ما تتضمنه هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور ، وأوحى مثله إلى الرسل من قبلك . و { الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ، صفتان لله عز وجل ؛ فهو سبحانه القوي القاهر ، منيع الجناب ، وهو سبحانه ذو الحكمة البالغة في أقواله وأفعاله وتدابيره .


[4079]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 344