تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} (56)

52

المفردات :

ليعبدون : ليخضعوا لي وليتذلَّلوا ، أو ليعرفوني .

التفسير :

56- { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } .

لم أخلق الناس لأستكثر بهم من قلة ، ولا لأستأنس بهم من وحشة ، وإنما خلقتهم ليذكروني كثيرا ، ويعبدوني طويلا ، وعبادة الجن والإنس لله لا تنفعه سبحانه ، ومعصيتهم لا تضرّه . لكن العباد في حاجة إلى طاعتهم لتهدأ نفوسهم ، وتطمئن قلوبهم ، وتقوى ثقتهم بأنفسهم ، فالعبادة والطاعة وسيلة إلى مرضاة الله ، واستجلاب فضله ومعونته وبركته ، والعبادة حقّ لله على عباده ، والعبادة تحمي الإنسان من الإحباط والتردد والخوف ، وتمنحه زادا من التقوى والهدوء ، والأمان ونقاء الروح ، وسلامة السريرة .

وفي الحديث الشريف : " إن النور إذا دخل القلب اتسع له الصدر وانشرح " ، قيل : يا رسول الله ، هل لذلك من علامة ؟ قال : " نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابةُ إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " ، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه13 . . . ( الزمر : 22 ) .

ويقول الله سبحانه وتعالى : { يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } . ( فاطر : 15 ) .

وقال ابن جريج ومجاهد : إلاَّ ليعبدون . إلا ليعرفوني أه .

فإن المؤمن إذا داوم على عبادة ربه ، والتذلل إليه ، وتلاوة القرآن ، وذكر الرحمان والتهجُّد ، والاستغفار بالأسحار ، والمواظبة على صلاة الفجر ، وتلاوة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء ، فإن ذلك يزيده توفيقا وفضلا وقربا من الله ، ومعرفة به وحبّا له ، وهذا إشارة إلى ما صحّحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه : " كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأُعرف " 14 .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} (56)

قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } قال الكلبي والضحاك وسفيان : هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين ، يدل عليه قراءة ابن عباس : { وما خلقت الجن والإنس - من المؤمنين - إلا ليعبدون }( الاعراف-179 ) ، ثم قال في آية أخرى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس } . وقال بعضهم : وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي ، وهذا معنى قول زيد بن أسلم ، قال : هم على ما عليه من الشقاوة والسعادة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : { إلا ليعبدون } أي : إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي ، يؤيده قوله عز وجل : { وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً }( التوبة-31 ) . وقال مجاهد : إلا ليعرفوني . وهذا حسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده ، دليله : قوله تعالى : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله }( الزخرف-87 ) . وقيل : معناه إلا ليخضعوا إلي ويتذللوا ، ومعنى العبادة في اللغة : التذلل والانقياد ، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، متذلل للمشيئة لا يملك أحد لنفسه خروجاً عما خلق عليه قدر ذرة من نفع ولا ضر . وقيل : ( إلا ليعبدون ) إلا ليوحدون ، فأما المؤمن فيجده في الشدة والرخاء ، وأما الكافر فيجده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء ، بيانه قوله عز وجل : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } ( العنكبوت-65 ) .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} (56)

{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } قيل : معناه خلقتهم لكي آمرهم بعبادتي ، وقيل : ليتذللوا لي فإن جميع الإنس والجن متذلل .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} (56)

قوله : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية ، فقد قيل : ما خلقتهم إلا لأمرهم بعبادتي . وقيل : إنما خلقتهم ليقروا لي بالعبادة طوعا أو كرها . وقيل : إن هذا خاص بمن سبق في علم الله أنه يعبده فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص وعلى هذا فإن المعنى : وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلا لعبادتي . والأظهر عندي القول الأول ، فقد خلق الله عباده من الجن والإنس ليأمرهم بعبادته فيؤمنوا به ويوحدوه ويجتنبوا الإشراك به ، فمن أطاع فقد اهتدى . ومن فسق عن أمره ضل وغوى . أما العبادة فمعناها : الطاعة ، والتعبد ، معناه التنسك{[4347]} .


[4347]:مختار الصحاح ص 408.