الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} (56)

ثم قال : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ 56 ] يعني {[65356]} : من المؤمنين المتقدم ذكرهم ، لم يخلق المؤمن من الجن والإنس {[65357]} إلا للعبادة {[65358]} .

يعني : من علم منهم أنه يؤمن ، فخلقه لما علم منه ، وهو الإيمان .

وقيل معنى الآية : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعرفوني {[65359]} {[65360]} ، فكل الخلق مقر بالله عارف به كما قال : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله {[65361]} } .

وقيل المعنى : و ما خلقت الجن والإنس إلا لأستعبدهم {[65362]} واختبرهم {[65363]} ، فقد استبعد {[65364]} الجميع وأمرهم ونهاهم ، فكفر فريق ، وآمن فريق على ما علم منهم قبل خلقه لهم .

ويدل على أن الآية ليست على العموم كثرة من يموت قبل وجوب العبادة عليه ، نحو الأطفال ، وكثرة من يعيش معتوها لا تجب عليه عبادة ، فدل ذلك على أن الآية خصوص فيمن علم منه العبادة والطاعة من الجن والإنس خلقه ( له ) {[65365]} ليعبده كما علم منه ذلك ؛ فيجازيه على ذلك ، لأن علمه {[65366]} بطاعتهم لا يجازون عليها حتى يخلقهم {[65367]} ويعلمون ، فخلقهم ليعملوا فتقع المجازات على ما ظهر من طاعتهم ، فأخبر أنه خلقهم لذلك ، فإنما عني أنه خلق المؤمنين من الجن والإنس الذين {[65368]} تنفعهم الذكرى {[65369]} لعبادته فكانوا كذلك كما قال : { كما بدأكم تعودون }/ {[65370]} {[65371]} .

وقد قال تعالى ذكره {[65372]} : { إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا } {[65373]} .

ثم قال : { عينا يشرب بها عباد الله } {[65374]} يعني الأبرار خاصة المذكورين ليس يريد كل عباد الله ، فهذا مثل ذلك ، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الآية . معناها : ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي اختيارا {[65375]} . ( وقيل معناه : ما خلقت أهل السعادة من الفريقين إلا ليوحدون ) {[65376]} {[65377]} .

وقال ابن عباس : إلا ليعبدون ؛ أي : من خلقت منهم لعبادتي خصوصا يعني المؤمنين منهم {[65378]} .

وقال {[65379]} زيد بن أسلم : إلا ليعبدون : هو ما جبلوا عليه من الشقاء {[65380]} والسعادة {[65381]} .

وقال سفيان ، معناه : من خلق للعبادة منهم لم يخلق إلا لها {[65382]} .

وقال ابن عباس : لم يخلق الفريقين إلا ليقروا بالعبادة طوعا وكرها {[65383]} ، فيكون عاما وعلى الأقوال الأول يكون مخصوصا {[65384]} .

وقيل : المعنى ما خلقهم إلا ليأمرهم بالعبادة {[65385]} ، فمن تقدم له منهم {[65386]} في علم الله الطاعة أطاع أمره ، ومن تقدم له في علم الله المعصية عصى أمره .


[65356]:ع: زيادة لا وجود لها في ح، وفيها خلط وبتر.
[65357]:ح: "الإنس والجن".
[65358]:ح: "لعبادة".
[65359]:ع: "إلا ليعرفون".
[65360]:وهو قول مجاهد في تفسير القرطبي 17/55، وابن كثير 4/239.
[65361]:لقمان: 24.
[65362]:انظر: تفسير القرطبي 17/56.
[65363]:ع: "وأخترهم" وهو تحريف.
[65364]:ع: "استبعد" وهو تحريف.
[65365]:ساقط من ع.
[65366]:ع: "عمله" وهو تحريف.
[65367]:ع: "يلحقهم": وهو تحريف.
[65368]:ع: "الذي".
[65369]:ع: "الذكر".
[65370]:ع: "يعودون" وهو تصحيف.
[65371]:الأعراف: 28.
[65372]:ساقط من ع.
[65373]:الإنسان: 5.
[65374]:الإنسان: 6.
[65375]:انظر: تفسير القرطبي 17/55.
[65376]:ساقط من ح.
[65377]:وهو قول الكلبي في البحر المحيط 8/143.
[65378]:انظر: البحر المحيط 8/143.
[65379]:ع: "قال".
[65380]:ع: "الشقا".
[65381]:انظر: تفسير سفيان الثوري 282، وجامع البيان 27/8، والدر المنثور 7/625.
[65382]:انظر: جامع البيان 27/8.
[65383]:انظر: الدر المنثور 7/624.
[65384]:انظر: جامع البيان 27/8، وتفسير القرطبي 17/56، وابن كثير 4/239.
[65385]:انظر: البحر المحيط 8/143.
[65386]:ع: "منه" وهو تحريف.