{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } قال علي بن أبي طالب : معناه إلاّ لآمرهم أن يعبدوني ، وأدعوهم إلى عبادتي ، واعتمد الزجاج هذا القول ، ويؤيده قوله
{ وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً } [ التوبة : 31 ] وقوله :
{ وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ البينة : 5 ] .
قال ابن عباس : ليقرّوا لي بالعبودية طوعاً أو كرهاً .
فإن قيل : فكيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلّل لأمره ومشيئته ، وأنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضى عليهم ؟ ( قلنا : ) لأنّ قضاءه جار عليهم ولا يقدرون الامتناع منه إذا نزل بهم ، وإنّما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به ، فأمّا التذلّل لقضائه فإنّه غير ممتنع فيه ، وقال مجاهد : إلاّ ليعرفونِ .
ولقد أحسن في هذا القول لأنّه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده ، ودليل هذا التأويل قوله :
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [ التوبة : 65 ] الآيات .
وروى حيّان عن الكلبي : إلاّ ليوحّدونِ ، فأمّا المؤمن فيوحّده في الشدّة والرخاء ، وأمّا الكافر فيوحده في الشدّه والبلاء دون النعمة والرخاء ، بيانه قوله سبحانه :
{ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] } الآية .
وقال عكرمة : إلا ليعبدونِ ويطيعونِ . فأُثيب العابد وأعاقب الجاحد ، وقال الضحاك وسفيان : هذا خاص لأهل عبادته وطاعته . يدلّ عليه ( ما ) قرأهُ ابن عباس : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ } من المؤمنين { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } . قال في آية أُخرى :
{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] وقال بعضهم : معناه وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلاّ لعبادتي ، والأشقياء منهم إلاّ لمعصيتي ، وهذا معنى قول زيد بن أسلم ، قال : ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة ، وقال الحسين بن الفضل : هو الاستعباد الظاهر .
وليس على هذا القدر ؛ لأنّه لو قدر عليهم عبادته لما عصوه ولما عبدوا غيره وإنمّا هو كقوله :
{ وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] ثم قال :
{ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [ الأعراف : 10 ]
{ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] .
ووجه الآية في الجملة أنّ الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جبلة وإجبار وإنّما خلقه لهم خلق تكليف واختيار ، فمن وفّقه وسدّده أقام العبادة التي خُلق لها ، ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما خلق لها . كقوله صلى الله عليه وسلم " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.