نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} (56)

ولما كان هذا ربما أوهم أن سواهم غير مقدور عليهم ، قال مؤكداً بالحصر دالاًّ على أنه هو الذي قسم الناس إلى طاغين ومؤمنين بالعطف على ما تقديره : فما حكم عليهم بذلك الضلال والهدى غيري ، وما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب إلا لاستخلاص المؤمنين وإقامة الحجة على الضالين : { وما خلقت الجن والإنس } الذين أكثرهم كافرون{[61460]} { إلا ليعبدون * } أي لينجروا تحت أقضيتي على وجه ينفعون به أنفسهم أو يضرونها لا لشيء يلحقني أنا منه شيء من نفع أو ضرر ، فإني بنيتهم على العجز وأودعتهم نوازع الهوى ، وركبت فيهم غرائز فهيأتهم لاتباع الهدى ، فمن أطاع عقله كان عابداً لي فارّاً إليّ مع جريه تحت الإرادة ، عبادة شرعية أمرية يستفيد بها الثواب{[61461]} ، ومن أطاع الهوى كان عابداً لي مع مخالفته أمري عبادة إرادية قسرية يستحق بها العقاب ، وكل تابع لهواه{[61462]} إذا حقق{[61463]} النظر علم أن الخير في غير ما هو مرتكبه ، فما ألزمه ما{[61464]} هو فيه مع علمه بأن غيره خير منه إلا قهر إرادتي ، فهذه عبادة لغوية ، وذاك عبادة شرعية ، وقد مر في آخر هود ما ينفع هنا ، وهذا كله معنى قول ابن عباس{[61465]} : إلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً وكرهاً .


[61460]:من مد، وفي الأصل: كافرين.
[61461]:من مد، وفي الأصل: الثبات.
[61462]:من مد، وفي الأصل: هواه.
[61463]:من مد، وفي الأصل: تحقق.
[61464]:من مد، وفي الأصل: مما.
[61465]:راجع البحر المحيط 8/143.