جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} (56)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : وَما خَلَقْتُ الجِنّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ فقال بعضهم : معنى ذلك : وما خلقت السّعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي ، والأشقياء منهم لمعصيتي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن زيد بن أسلم وَما خَلَقْتُ الجِنّ والإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونَ قال : ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن زيد بن أسلم بنحوه .

حدثني عبد الأعلى بن واصل ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن زيد بن أسلم ، بمثله .

حدثنا حُمَيد بن الربيع الخرّاز ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا ابن جُرَيج ، عن زيد بن أسلم ، في قوله : وَما خَلَقْتُ الجِنّ والإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ قال : جَبَلَهم على الشقاء والسعادة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَما خَلَقْتُ الجِنّ والإنْس إلاّ لِيَعْبُدُونَ قال : من خلق للعبادة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك . وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليُذْعِنوا لي بالعبودة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَما خَلَقْتُ الجِنّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ : إلا ليقرّوا بالعبودة طوعا وكَرها .

وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس ، وهو : ما خلقت الجنّ والإنس إلا لعبادتنا ، والتذلل لأمرنا .

فإن قال قائل : فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره ؟ قيل : إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم ، لأن قضاءه جار عليهم ، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم ، وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به ، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه .