تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

فتنة سليمان وقبول دعائه .

{ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ( 34 ) قال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ( 35 ) فسخرنا له الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ( 36 ) والشياطين كل بناء وغواص ( 37 ) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( 38 ) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( 39 ) وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( 40 ) }

المفردات :

فتنا : ابتلينا وامتحنا .

جسدا : جسد إنسان .

أناب : رجع إلى ربه .

34

التفسير :

34-{ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } .

اختبرنا سليمان ، وامتحناه امتحانا شديدا ، كما يوضع الذهب الأبريز في النار ، ليتبين جيّده من خبثه .

وقد ورد في الصحيحين وفي غيرهما : أن سليمان عليه السلام قال : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، كلُّ واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، ولم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهنّ فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاء بشق رجل ، والذي نفس محمد بيده لو قال : إن شاء الله : لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون .

والذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة أنه قال : لأطوفن الليلة على أربعين امرأة . {[577]}

وفي شرح الحديث : " لأطوفن الليلية " كناية عن الجماع ، قالوا : ولعل المقصود طوافه عليهن ابتداء من تلك الليلة ، ولا مانع من أن يستغرق طوافه بهن عدة ليال ، وقد استنبط العلماء من هذا الحديث أن فتنة سليمان هي أنه لم يقل ( إن شاء الله ) وأن عقابه على ذلك كان عدم تحقيق ما طلبه .

وهذا الحديث الشريف يذكّرنا بالآية القرآنية : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا* إلا أن يشاء الله . . . } [ الكهف : 23 ، 24 ] .

وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسئلة : عن أهل الكهف ، وعن ذي القرنين ، وعن الروح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " غدا أجيبكم " ونسي أن يقول إن شاء الله ، فتأخر الوحي خمسة عشر يوما ، ثم نزلت الإجابة على هذه الأسئلة ، ونزل توجيه السماء لنا جميعا وللنبي الأمين ، أن نقول : ( إن شاء الله ) عند العزم على عمل شيء .

والأقرب إلى تأويل الآية 34 من سورة " ص " ما جاء في الحديث الصحيح السابق ، ويكون تأويل الآية هكذا ، اختبرنا سليمان وامتحنّاه ، وكان يأمل أن يرزقه الله سبعين أو أربعين ولدا ليجاهدوا في سبيل الله ، ونسي أن يقول إن شاء الله ، فلم تحْمِل من نسائه امرأة ، إلا امرأة واحدة جاءت بسقط ، وضعته القابلة على كرسيّ ملكه ، فتيقّظ وتنبّه ، ثم أناب ورجع إلى الله تائبا مستغفرا منيبا .


[577]:لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل منهن تأتي بفارس: كلا اللفظين رواهما البخاري في أحاديث الأنبياء (3171)، وفي الأيمان (6148)، وفي كفارات الأيمان (6225)، وفي التوحيد (6915)، ومسلم في الأيمان (3124، 3126)، والترمذي في النذور (1452)، والنسائي في الأيمان (3796،3771) من حديث أبي هريرة.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا سُلَيۡمَٰنَ وَأَلۡقَيۡنَا عَلَىٰ كُرۡسِيِّهِۦ جَسَدٗا ثُمَّ أَنَابَ} (34)

{ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } تفسير هذه الآية يختلف على حسب الاختلاف في قصتها ، وفي ذلك أربعة أقوال :

الأول : أن سليمان كان له خاتم ملكه وكان فيه اسم الله ، فكان ينزعه إذا دخل الخلاء توقيرا لاسم الله تعالى ، فنزعه يوما ودفعه إلى جارية فتمثل لها جني في صورة سليمان وطلب منها الخاتم فدفعته له ، روي : أن اسمه صخر فقعد على كرسي سليمان يأمر وينهى والناس يظنون أنه سليمان ، وخرج سليمان فارا بنفسه فأصابه الجوع فطلب حوتا ففتح بطنه فوجد فيه خاتمه ، وكان الجني قد رماه في البحر فلبس سليمان الخاتم وعاد إلى ملكه . ففتنة سليمان على هذا هي ما جرى له من سلب ملكه ، والجسد الذي ألقي على كرسيه هو الجني الذي قعد عليه وسماه جسدا ، لأنه تصور في صورة إنسان ، ومعنى أناب رجع إلى الله بالاستغفار والدعاء أو رجع إلى ملكه . والقول الثاني : أن سليمان كان له امرأة يحبها وكان أبوها ملكا كافرا قد قتله سليمان فسألته أن يضع لها صورة أبيها فأطاعها في ذلك فكانت تسجد للصورة ويسجد معها جواريها وصار صنما معبودا في داره وسليمان لا يعلم حتى مضت أربعون يوما ، فلما علم به كسره فالفتنة على هذا عمل الصورة ، والجسد هو الصورة .

والقول الثالث : أن سليمان كان له ولدا وكان يحبه حبا شديدا فقالت الجن إن عاش هذا الولد ورث ملك أبيه فبقينا في السخرة أبدا فلم يشعر إلا وولده ميت على كرسيه فالفتنة على هذا حبه الولد ، والجسد هو الولد لما مات وسُمّي جسدا لأنه جسد بلا روح .

القول الرابع : أنه قال : " لأطوفن الليلة على مائة امرأة تأتي كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله " ، ولم يقل إن شاء الله ، فلم تحمل إلا واحدة جاءت بشق إنسان فالفتنة على هذا كونه لم يقل إن شاء الله ، والجسد هو شق الإنسان الذي ولد له .

فأما القول الأول : فضعيف من طريق النقل مع أنه يبعد ما ذكر فيه من سلب ملك سليمان وتسليط الشياطين عليه .

وأما القول الثاني : فضعيف أيضا مع أنه يبعد أنه يعبد صنم في بيت نبي ، أو يأمر نبي بعمل صنم .

وأما القول الثالث : فضعيف أيضا .

وأما القول الرابع : فقد روي في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يذكر في الحديث أن ذلك تفسير الآية