تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

41

المفردات :

خلقناه بقدر : بتقدير سابق ، أو خلقناه مقدّرا محكما .

التفسير :

28- { إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } .

كل شيء في هذا الكون أبدع الله صنعه ، وأحكم تقديره على مقتضى الحكمة البالغة ، والنظام الشامل وبحسب السنن التي وضعها في الخليقة .

قال تعالى : { وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا } . ( الفرقان : 2 ) .

وقال عز شأنه : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى } . ( الأعلى : 1-3 ) .

وقد استدل أهل السنة بهذه الآية الكريمة على إثبات قدر الله السابق لخلقه ، وهو علمه الأشياء قبل كونها ، وكتابته – أي تسجيله – لها قبل حدوثها .

أخرج الإمام أحمد ، ومسلم ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل شيء بقدَر ، حتى العجز والكسل " xii .

وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد ومسلم أيضا ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استعن بالله ولا تعجز ، فإن أصابك أمر فقل : قدَّر الله وما شاء فعل ، ولا تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا ، فإن لو تفتح عمل الشيطان " xiii .

وأخرج أحمد ، والترمذي ، والحاكم ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا غلام ، إني أعلّمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، جفت الأقلام وطويت الصحف " xiv .

إذا تأملنا في هذا الكون البديع المنظم أدركنا أن يد القدرة البالغة وراء التناسق والتكامل بين أجزاء الكون وما فيه .

فالسماء والنجوم والكواكب والمجرات ، والشمس والقمر والليل والنهار ، والأرض والبحار والأنهار ، والجبال والهواء والفضاء ، كل هذه المخلوقات على آية من الإبداع والتناسق والتكامل ، بحيث تصيح وهي صامته : إن يد القدرة الإلهية التي أبدعت كل شيء ، وخلقت النجوم بقدر في مجراتها ومسيراتها ، إلى حدّ أن افتراض أي اختلال في أية نسبة من نسبها يودي بهذه الحياة كلّها ، أو لا يسمح أصلا بقيامها ، فحجم الأرض وكتلتها وبعدها عن الشمس ، وكتلة هذه الشمس ، ودرجة حرارتها ، وميل الأرض على محورها بهذا القدر ، وسرعتها في دورانها حول نفسها وحول الشمس ، وبُعْد القمر عن الأرض ، وحجمه وكتلته ، وتوزيع الماء واليابس في هذه الأرض . . . إلى آلاف من هذه النسب المقدرة تقديرا ، لو وقع الاختلال في أيّ منها لتبدّل كل شيء ، ولكانت هي النهاية المقدَّرة لعمر الحياة على هذه الأرض .

قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } . ( سورة فاطر : 41 ) .

سبحان من بيده ملكوت السماوات والأرض ، وسبحان من بيده الخلق والأمر ، وهو على كل شيء قدير .

قال تعالى : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } . ( الإسراء : 12 ) .

وستجد في أعقاب تفسير سورة ( القمر ) إن شاء الله ضميمة في بيان النظام البديع في هذا الكون .

قال تعالى : { ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ } . ( السجدة : 6-7 )

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

{ إنا كل شيء خلقناه بقدر } أي مقدرا محكما ، مستوفى فيه ما تقتضيه الحكمة التي عليها مدار التكوين ؛ وهو كقوله تعالى : " وخلق كل شيء فقدره تقديرا " {[340]} . والقدر : اسم لما صدر عن القادر مقدرا . يقال : قدرت الشيء وقدرته – بالتخفيف والتثقيل – بمعنى واحد . أو المعنى : خلقناه مقدرا مكتوبا في اللوح قبل حدوثه ؛ فهو بالمعنى المشهور الذي يقابل القضاء . وقال النووي : القدر تقدير الله الأشياء في القدم ، وعلمه تعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه ، وعلى صفات مخصوصة ؛ فهي تقع على حسب ما قدرها الله تعالى . اه . وفي شرح المواقف : قضاء الله هو إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال . وقدره : إيجاده إياها على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها . وقد ناقشه محشيه المولى حسن جلبي ، واختار : أن القضاء هو الفعل مع الإتقان ؛ بحيث يأتي على ما تقتضيه الحكمة . والقدر : تحديد كل محدود بحده الذي يوجد به .


[340]:آية 2 الفرقان.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

بقدَر : بتقدير حسب حكمة بالغة .

ثم بين الله تعالى أن كلّ ما يوجد في هذا الكون يحدُث بقضائه وأمرِه وتقديره على ما تقتضيه حكمته .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية ، أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه ، ولا مشارك له في خلقها{[941]} .


[941]:- في ب: خلقه.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

ويقال لهم : { ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } يعني : ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ ، قال الحسن : قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له .

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي ، أنبأنا مسلم بن غالب بن علي الرازي ، أنبأنا أبو معشر يعقوب بن عبد الجليل بن يعقوب ، حدثنا أبو يزيد حاتم بن محبوب ، أنبأنا أحمد بن نصر النيسابوري ، أنبأنا عبد الله بن الوليد العدني ، أنبأنا الثوري عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال : جاءت مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت الآية : { إن المجرمين في ضلال وسعر } إلى قوله : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } .

أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد شريك الشافعي الخدشاهي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجويدري ، أنبأنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أنبأنا عبد الله بن وهب ، أخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الجيلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، قال : وكان عرشه على الماء " .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني قال : أدركت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : كل شيء بقدر الله ، قال وسمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس ، أو الكيس والعجز " .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، أنبأنا أحمد بن حازم بن أبي عروة أنبأنا يعلى بن عبيد ، وعبد الله بن موسى وأبو نعيم عن سيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر زاد عبد الله خيره وشره " . ورواه أبو داود عن شعبة عن منصور وقال : عن ربعي عن علي ولم يقل : عن رجل ، وهذا أصح .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

{ إنا كل شيء خلقناه بقدر } أي كل ما خلقناه فمقدور مكتوب في اللوح المحفوظ وهذه الآيات نزلت في القدرية الذين يكذبون بالقدر

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ} (49)

ولما أخبر بقيام الساعة وما يتفق لهم فيها جزاء لأعمالهم التي قدرها عليهم وهي ستر فرضوا بها لاتباع الشهوات واحتجوا على رضاه بها ، وكان ربما ظن ظان أن تماديهم على الكفر لم يكن بإرادته سبحانه ، علل ذلك منبهاً على أن الكل فعله ، وإنما نسبته إلى العباد بأمور ظاهرية ، تقوم عليهم بها الحجة في مجاري عاداتهم ، فقال : { إنا } أي بما لنا من العظمة { كل شيء } أي من الأشياء المخلوقة كلها صغيرها وكبيرها .

ولما كان هذا التعميم في الخلق أمراً أفهمه النصب ، استأنف قوله تفسيراً للعامل المطوي وإخباراً بجعل ذلك الخلق كله على نظام محكم وأمر مقدر مبرم { خلقناه بقدر * } أي قضاء وحكم وقياس مضبوط وقسمة محدودة وقودة بالغة وتدبير محكم في وقت معلوم ومكان محدود مكتوب في ذلك اللوح قبل وقوعه تقيسه الملائكة بالزمان وغيره من العد وجميع أنواع الأقيسة - فلا يخرم عنه مثقال ذرة لأنه لا منازع لنا مع ما لنا من القدرة الكاملة والعلم التام ، فهذا العذاب بقدرتنا ومشيئتنا فاصبروا عليه وارضوا به كما كنتم ترضون أعمالكم السيئة ثم تحتجون على عبادنا بأنها مشيئتنا بنحو

{ ولو شاء الله ما أشركنا }[ الأنعام : 148 ] فقد أوصلكم إلى ما ترون وانكشف أتم انكشاف أنه لا يكون شيء على خلاف مرادنا ، ولا يقال لشيء قدرناه : لم ؟ قال الرازي في اللوامع : الكمية ساقطة عن أفعاله كما أن الكيفية والكمية ساقطتان عن ذاته وصفته - انتهى . ولا يكون شيء من أمره سبحانه إلا ما هو على غاية الحكمة ، ولو كان الخلق لا يبعثون بعد الموت ليقع القصاص والقياس العدل ليكون القياس جزافاً لا بقدر وعدل ، لأن المشاهد أن الفساد في هذه الدار من المكلفين من الصلاح أضعافاً مضاعفة ، وقرئ في الشواذ برفع " كل " وجعله ابن جني أقوى من النصب ، وليس كذلك لأن الرفع لا يفيد ما ذكرته ، وما حمله على ذلك إلا أنه معتزلي ، والنصب على ما قدرته قاصم لأهل الاعتزال .