تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ} (19)

الملك لله وحده

{ أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ( 19 ) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ( 20 ) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ( 21 ) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ( 22 ) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ( 23 ) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ( 24 ) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى ( 25 ) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى( 26 ) }

19

المفردات :

اللات : صنم لثقيف ، وأصل ذلك أن رجلا كان يلتّ السويق للحاج ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه ، ويُظنّ أن ( اللات ) مؤنث لفظ الجلالة ( الله ) سبحانه وتعالى :

العزى : شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ، وهي بين مكة والطائف ، وكانت قريش تعظمها ، كما قال أبو سفيان يوم أُحُد : ( لنا العزى ولا عزّى لكم ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله مولانا ولا مولى لكم " ، ويظنّ أن العزّى مؤنث العزيز .

مناة : صخرة بالمشلل ، عند قديد بين مكة والمدينة ، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتهم يعظمونها ، ويهلّون منها للحج إلى الكعبة ، وكانت دماء النسائك تمنى عندها ، أي : تراق .

الأخرى : المتأخرة الوضيعة القدر .

التفسير :

19-20- { أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } .

هذه أصنام كانت تعبدها العرب في الجاهلية ، وهنا يقرعهم القرآن ويوبخهم على عبادتهم لها ، وهي لا تملك أن تخلق مثل هذا الكون ، ولا تملك أن تختار رسولا مثل محمد ، ولا أن تختار ملاكا مثل جبريل ينزل بالوحي ، فلماذا يتركون الله العظيم القادر الخالق الرازق ، ويتجهون بعبادتهم إلى هذه الأصنام ، ومن هذه الأصنام :

( أ‌ ) اللات : وكانت صخرة بيضاء منقوشا عليها نقوش ، وهي داخل بيت بالطائف ، له أستار وسدنة ، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف ، وقيل : إن اللات رمز لرجل كان يلتُّ السويق للحاج على حجر ، فلما مات عبدوا ذلك الحجر إجلالا له ، وسموه بذلك ، وبقيت اللات إلى أن أسلمت ثقيف ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار .

( ب‌ ) العزّى : وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ، بين مكة والطائف لغطفان ، وكانت قريش تعظمها ، كما قال أبو سفيان يوم أحد : لنا العزى ولا عزى لكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم " x .

وقد ذهب خالد بن الوليد إلى العزّى فهدمها ، وهو يقول :

يا عزّ كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك

( أ‌ ) مناة : وكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة ، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ، ويهلّون منها للحج إلى الكعبة ، وتذبح عندها القرابين ، وسميت ( مناة ) لأن الدماء كانت تمنى عندها ، أي : تراق .

وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فهدمها عام الفتح .

" وكانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخرى ، تعظمها العرب كتعظيم الكعبة ، غير هذه الثلاثة التي نصَّت عليها الآية ، وإنما أفردت هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها " . xi

قال ابن إسحاق :

كانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحُجّاب ، تطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها .

وخلاصة المعنى : أخبروني يا معشر الكفار عن هذه الآلهة التي تعبدونها – اللات والعزّى ومناة – هل لها من القدرة والعظمة والخلق والإبداع مثل الله تعالى حتى عبدتموها ، وطفتم حولها ، وزعمتم أنها آلهة ؟

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ} (19)

{ أفرأيتم اللات والعزى . . . } أي أعقيب ما سمعتم من آثار كمال عظمته تعالى ، وأحكام قدرته

ونفاذ أمره ، رأيتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها بنات الله سبحانه ! ! وكانوا يقولون لها وللملائكة : بنات الله . واللات : صخرة لثقيف بالطائف . والعزى : سمرات بنخلة لغطفان ، وهي التي قطعها خالد ابن الوليد بأمره صلى الله عليه وسلم . ومناة : صخرة لهذيل وخزاعة أو لثقيف . وقيل : إن الثلاثة كانت أصناما بالكعبة .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ} (19)

{ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } هذه أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة والمعنى أخبرونا عن هذه الاناث التي تعبدونها وتزعمون أنها بنات الله ألله هي وأنتم تختارون الذكران وذلك قوله { ألكم الذكر وله الأنثى }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ} (19)

قوله تعالى : " أفرأيتم اللات والعزى " لما ذكر الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر من آثار قدرته ما ذكر ، حاج المشركين إذ عبدوا ما لا يعقل وقال{[14375]} : أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها أو حين إليكم شيئا كما أوحي إلى محمد . وكانت اللات لثقيف ، والعزى لقريش وبني كنانة ، ومناة لبني هلال{[14376]} . وقال هشام : فكانت مناة لهذيل وخزاعة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح . ثم اتخذوا اللات بالطائف ، وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مربعة ، وكان سدنتها من ثقيف ، وكانوا قد بنوا عليها بناء ، فكانت قريش وجميع العرب تعظمها . وبها كانت العرب تسمي زيد اللات وتيم اللات . وكانت في موضع منارة{[14377]} مسجد الطائف اليسرى ، فلم تزل كذلك إلى أن أسلمت ثقيف ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار . ثم اتخذوا العزى وهي أحدث من اللات ، اتخذها ظالم بن أسعد ، وكانت بوادي نخلة الشامية فوق ذات عرق ، فبنوا عليها بيتا وكانوا يسمعون منها{[14378]} الصوت . قال ابن هشام : وحدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كانت العزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة ، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال : ( ايت بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى ) فأتاها فعضدها فلما جاء إليه قال : ( هل رأيت شيئا ) قال : لا . قال : ( فاعضد الثانية ) فأتاها فعضدها ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( هل رأيت شيئا ) قال : لا . قال : ( فاعضد الثالثة ) فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها ، واضعة يديها على عاتقها تصرف بأنيابها ، وخلفها دُبَيّة{[14379]} السلمي وكان سادنها فقال :

يا عُزّ كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك

ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حُمَمَة ، ثم عضد الشجرة وقتل دُبَيّة السادن ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : ( تلك العزى ولن تعبد أبدا ) وقال ابن جبير : العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه . قتادة : نبت{[14380]} كان ببطن نخلة . ومناة : صنم لخزاعة . وقيل : إن اللات فيما ذكر بعض المفسرين أخذه المشركون من لفظ{[14381]} الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من منى الله الشيء إذا قدره . وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد وأبو صالح " اللات " بتشديد التاء وقالوا : كان رجلا يلت السويق للحاج ذكر البخاري عن ابن عباس - فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه . ابن عباس : كان يبيع السويق والسمن عند صخرة ويصبه عليها ، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاما لصاحب السويق . أبو صالح : إنما كان رجلا بالطائف فكان يقوم على ألهتهم ويلت لهم السويق فلما مات عبدوه . مجاهد : كان رجل في رأس جبل له غنيمة يَسْلِي{[14382]} منها السمن ويأخذ منها الأقط ويجمع رسلها ، ثم يتخذ منها حيسا{[14383]} فيطعم الحاج ، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه وهو اللات . وقال الكلبي : كان رجلا من ثقيف يقال له صرمة بن غنم . وقيل : إنه عامر بن ظرب العدواني . قال الشاعر{[14384]} :

لا تنصروا اللاتَ إن الله مُهْلِكُها *** وكيفَ ينصركم من ليس ينتصر

والقراءة الصحيحة " اللات " بالتخفيف اسم صنم والوقوف عليها بالتاء وهو اختيار الفراء . قال الفراء : وقد رأيت الكسائي سأل أبا فقعس الأسدي{[14385]} فقال ذاه لذات ولاه للات ، وقرأ " أفرأيتم اللاه " وكذا قرأ الدوري عن الكسائي والبزي عن ابن كثير " اللاه " بالهاء في الوقف ، ومن قال : إن " اللات " من الله وقف بالهاء أيضا . وقيل : أصلها لاهة مثل شاة أصلها شاهة وهي من لاهت أي اختفت ، قال الشاعر :

لاهتْ فما عُرِفت يوما بخارجة *** يا ليتها خرجت حتى رأيناها

وفي الصحاح : اللات اسم صنم كان لثقيف وكان بالطائف ، وبعض العرب يقف عليها بالتاء ، وبعضهم بالهاء ، قال الأخفش : سمعنا من العرب من يقول اللات والعزى ، ويقول هي اللات فيجعلها تاء في السكوت وهي اللات فأعلم أنه جر في موضع الرفع ، فهذا مثل أمس مكسور على كل حال وهو أجود منه ؛ لأن الألف واللام اللتين في اللات لا تسقطان وإن كانتا زائدتين ، وأما ما سمعنا من الأكثر في اللات والعزى في السكوت عليها فاللاه ؛ لأنها هاء فصارت تاء في الوصل وهي في تلك اللغة مثل : كان من الأمر كيت وكيت ، وكذلك هيهات في لغة من كسرها ، إلا أنه يجوز في هيهات أن تكون جماعة ولا يجوز ذلك في اللات ؛ لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف ، وإن جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد .


[14375]:في ب، ح، ز، س، ل، هـ: "وقيل".
[14376]:اتفقت نسخ الأصل على القول بأن مناة لبني هلال ولم نره لغير المؤلف.
[14377]:الزيادة من كتاب الأصنام لابن الكلبي.
[14378]:في كتاب الأصنام "فيه" بدل "منها".
[14379]:دبية بالدال المهملة بن حرمس ويروى ابن حرمي ثم السلمي.
[14380]:في ب، ز، هـ ول: "بيت".
[14381]:في ب، ح، ز، س، ل، هـ: "اسم الله".
[14382]:يسلي: يجمع. الأقط لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به. والرسل اللبن.
[14383]:الحيس: الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن.
[14384]:هو شداد بن عارض الجشمي قاله في أبيات حين هدمت اللات وحرقت، ينهى ثقيفا عن العود إليها، والغضب لها.
[14385]:الذي ذكره النحاس في إعراب قوله تعالى: "ولات حين مناص" أن الفراء قال عن الكسائي: أحسبه أنه سأل أبا السمال كيف يقرأ فيقف على "ولات" فوقف عليها بالهاء. وعبارة الفراء في هذه السورة من تفسيره: وكان الكسائي يقف عليها بالهاء وأنا أقف على التاء. اهـ. ولم يذكر أبا فقعس.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ} (19)

ولما أخبر سبحانه من استقامة طريق نبيه عليه الصلاة والسلام مما ثبتت رسالته بما أوحي إليه وما أراه من آياته التي ظهر بها استحقاقه سبحانه الإلهية متفرداً بها ، سبب عنه الإنكار عليهم في عبادة معبوداتهم على وجه دال على أنها لا تصلح لصالحة فقال : { أفرأيتم } أي أخبروني بسبب ما تلوت عليكم من هذه الآيات الباهرات . هل رأيتم رؤية خبرة بالباطن والظاهر { اللاّت } وهو صنم ثقيف { والعزى } وهي شجرة لغطفان وهما أعظم أصنامهم فإنهم كانوا يحلفون بهما