تحلّة أيمانكم : تحليلها بالكفارة ، أو بالاستثناء متصلا حتى لا يحنث .
2- { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .
قد شرع الله لكم يا معشر المؤمنين ما تتحلّلون به من أيمانكم وذلك بالكفّارة .
وفي الحديث الشريف : " من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ، وليكفّر عن يمينه " 7
وقال تعالى : { لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . ( المائدة : 89 ) .
{ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ . . . } فهو سبحانه وليّكم وناصركم .
{ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .
يشرع لكم عن علم وعن حكمة ، ويأمركم بما يناسب طاقتكم ، وما يصلح لكم ، فلا تحرّموا إلاّ ما حرّم ، ولا تحلّوا غير ما أحلّ .
تحلَّة أيمانكم : تحليلها بالكفارة .
ثم بيّن له أنّه يمكن أن يكفّر عن يمينه بقوله : { قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } بالكفّارة عنها . وقد رُوي أنه عليه الصلاةُ والسلام كفّر عن يمينه فأعتق رقبة . { والله مَوْلاَكُمْ وَهُوَ العليم الحكيم }
واللهُ متولِّي أمورِكم وناصرُكم ، وهو العليم ما يُصلحكم فيشرّعه لكم ، والحكيمُ في تدبيرِ أموركم .
وأمره أن يكفر يمينه ويراجع أمته ، فقال :{ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي بين وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة { والله مولاكم } ، وليكم وناصركم ، { وهو العليم الحكيم } واختلف أهل العلم في لفظ التحريم ، فقال قوم : ليس هو بيمين ، فإن قال لزوجته : أنت علي حرام ، أو حرمتك ، فإن نوى به طلاقاً فهو طلاق ، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين بنفس اللفظ . وإن قال ذلك لجاريته فإن نوى عتقاً عتقت ، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين ، وإن قال لطعام : حرمته على نفسي فلا شيء عليه ، وهذا قول ابن مسعود وإليه ذهب الشافعي . وذهب جماعة إلى أنه يمين ، فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب عليه الكفارة ما لم يقربها ، كما لو حلف أن لا يطأها . وإن حرم طعاماً فهو كما لو حلف أن لا يأكله ، فلا كفارة عليه ما لم يأكل ، يروى ذلك عن أبي بكر ، وعائشة ، وبه قال الأوزاعي ، وأبو حنيفة رضي الله عنه .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا معاذ بن فضالة ، حدثنا هشام عن يحيى ، عن ابن حكيم ، وهو يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في الحرام : يكفر . وقال ابن عباس : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }( الأحزاب- 21 ) .
الأولى- قوله تعالى : " قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " تحليل اليمين كفارتها . أي إذا أحببتم استباحة المحلوف عليه ، وهو قوله تعالى في سورة " المائدة " : " فكفارته إطعام عشرة مساكين{[15130]} " [ المائدة : 89 ] . ويتحصل من هذا أن من حرم شيئا من المأكول والمشروب لم يحرم عليه عندنا ؛ لأن الكفارة لليمين لا للتحريم على ما بيناه . وأبو حنيفة يراه يمينا في كل شيء ، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه ، فإذا حرم طعاما فقد حلف على أكله ، أو أمة فعلى وطئها ، أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية ، وإن نوى الظهار فظهار ، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن . وكذلك إن نوى ثنتين أو ثلاثا . وإن قال : نويت الكذب دين فيما بينه وبين الله تعالى . ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء . وإن قال : كل حلال عليه حرام ؛ فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو ، وإلا فعلى ما نوى . ولا يراه الشافعي يمينا ولكن سببا في الكفارة في النساء{[15131]} وحدهن . وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده ، على ما تقدم بيانه . فإن حلف إلا يأكله حنث ويبر بالكفارة .
الثانية- فإن حرم أمته أو زوجته فكفارة يمين ، كما في صحيح مسلم عن ابن عباس قال : إذا حرم الرجل عليه امرأته ، فهي يمين يكفرها . وقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .
الثالثة- قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه . وعن الحسن : لم يكفر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها الأمة . والأول أصح ، وأن المراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم . ثم إن الأمة تقتدي به في ذلك . وقد قدمنا عن زيد بن أسلم أنه عليه السلام كفر بعتق رقبة . وعن مقاتل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية . والله أعلم . وقيل : أي قد فرض الله لكم تحليل ملك اليمين ، فبين في قوله تعالى : " ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له{[15132]} " [ الأحزاب : 38 ] أي فيما شرعه له في النساء المحللات . أي حلل لكم ملك الأيمان ، فلم تحرم مارية على نفسك مع تحليل الله إياها لك . وقيل : تحلة اليمين الاستثناء ، أي فرض الله لكم الاستثناء المخرج عن اليمين . ثم عند قوم يجوز الاستثناء من الأيمان متى شاء وإن تحلل مدة . وعند المعظم لا يجوز إلا متصلا ، فكأنه قال : استثن بعد هذا فيما تحلف عليه . وتحلة اليمين تحليلها بالكفارة ، والأصل تحللة ، فأدغمت . وتفعلة من مصادر فعل ، كالتسمية والتوصية . فالتحلة تحليل اليمين . فكأن اليمين عقد والكفارة حل . وقيل : التحلة الكفارة ، أي إنها تحل للحالف ما حرم على نفسه ، أي إذا كفر صار كمن لم يحلف . " والله مولاكم " وليكم وناصركم بإزالة الحظر فيما تحرمونه على أنفسكم ، وبالترخيص لكم في تحليل أيمانكم بالكفارة ، وبالثواب على ما تخرجونه في الكفارة .
{ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم }
( قد فرض الله ) شرع ( لكم تحلة أيمانكم ) تحليلها بالكفارة المذكورة في سورة " المائدة " ومن الإيمان تحريم الأمة وهل كفر صلى الله عليه وسلم ؟ قال مقاتل : أعتق رقبة في تحريم مارية ، وقال الحسن : لم يكفر لأنه ص مغفور له ( والله مولاكم ) ناصركم ( وهو العليم الحكيم ) .