حتى مطلع الفجر : لا تزال الملائكة متنزلة بالرحمة والمغفرة حتى مطلع الفجر .
هي سلام وأمان ، وبركة وثواب وخير ، من أذان المغرب إلى طلوع الفجر .
إنه لا يقدّر الله في تلك الليلة إلا السلامة ، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة .
وروي عن الشعبي : تستمر فيها السلامة ، وتسلّم الملائكة على المؤمنين القائمين فيها إلى غاية هي وقت طلوع الفجر ، أي هي ليلة كلها سلام وأمن وخير وبركة ، من مبدئها إلى نهايتها ، أو أن تنزل الملائكة فوجا بعد فوج متتابعين إلى طلوع الفجر ، والله أعلم .
أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره ثلاثة فصول في أعقاب تفسير سورة القدر ، من بينهما ما يأتي :
اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر ، والأحوط ما أخرجه أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( هي في كل رمضان ) .
1- وقال أبو حنيفة : ترتجى في كل شهر رمضان ، وهو وجه حكاه أبو حامد الغزالي أيضا .
2- قيل : إنها تكون في أول ليلة ، وقيل : ليلة السابع عشر ، وفي صبيحتها ليلة البدر ، وقيل : هي في العشر الأواخر ، خصوصا أوتارها ، وخصوصا ليلة السابع والعشرين ، وليلة التاسع والعشرين وختام رمضان .
3- قيل : إنها تنتقل في ليالي رمضان ، وقيل : هي ليلة معينة ، وكان صلى الله عليه وسلم يجتهد في الأواخر من رمضان أكثر من غيرها ، وكان يعتكف في المسجد كما ورد في الصحيحين عن عائشة .
وعنها رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان ، أحيا ليله وأيقظ أهله ، وشدّ المئزرiii .
ومعنى شدّ المئزر : استعد للقيام والعبادة والطاعة .
وعن عائشة أنها قالت : يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟ قال : ( قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )iv .
أخرجه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وانظر مختصر تفسير ابن كثير تحقيق محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ( ص 662 ) ، فقد توسّع في الحديث عن موضوعات تتصل بليلة القدر ، والله أعلم .
( تم بفضل الله تعالى وتوفيقه تفسير سورة القدر ) .
i إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها :
رواه البخاري في صلاة التراويح ( 2016 ) من حديث سعد بن مالك بلفظ : ( إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها فالتمسوها . . . ) الحديث .
ii إني أرأيت ليلة القدر ثم أنسيتها :
iii إذا دخل العشر أحيا الليل :
رواه البخاري في صلاة التراويح ( 2024 ) ومسلم في كتاب الاعتكاف ( 1174 ) وأبو داود في الصلاة ( 1376 ) وأحمد في مسنده ( 23611 ) من حديث عائشة بلفظ : إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر . . . الحديث .
رواه الترمذي في الدعوات ( 3513 ) وابن ماجة في الدعاء ( 3850 ) وأحمد في مسنده ( 24967 ) من حديث عائشة بلفظ : ( قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني . . . ) الحديث .
{ سلام هي حتى مطلع الفجر } أمنٌ من كل أذىً وشر في تلك الليلة حتى وقت طلوع الفجر .
ومن فضلِها أيضاً قوله تعالى { سَلاَمٌ هِيَ حتى مَطْلَعِ الفجر } فهي سلامٌ من أول ليلها إلى طلوع الفجر ، وأمانٌ من الأذى والشر حتى ذلك الحين .
والحقّ ، أن ليلة القدر من العظمة بحيث تفوق حقيقتُها حدودَ الإدراك البشريّ ، فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن العظيم ، وإفاضة هذا النور على الوجودِ كله ، لِما تضمَّنَه هذا القرآنُ من عقيدةٍ وشريعة وآداب .
وفي الحديث الصحيح أن عائشةَ رضي الله عنها قالت : يا رسولَ الله إن وافقتُ ليلةَ القدر فما أقول ؟ قال : " قولي اللهم إنك عَفُوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني " .
قرأ الكسائي وخلف : مطلِع بكسر اللام ، والباقون : مطلَع بفتح اللام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عن تلك الليلة ، فقال : { سلام هي } هي سلام وبركة وخير { حتى مطلع الفجر }...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
سلام ليلة القدر من الشرّ كله من أوّلها إلى طلوع الفجر من ليلتها . عن قتادة { سَلامٌ هِيَ } قال : خير حَتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .وعُنِي بقوله : { حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } : إلى مطلع الفجر .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى : { سلام هي } قيل : { تنزل الملائكة } تخفق بأجنحتها بالسلام من الله والرحمة والمغفرة ...
وقال بعضهم : هو سلام الملائكة ، أي يسلم الملائكة على كل مؤمن ومؤمنة .
وقال بعضهم : { من كل أمر } { سلام } أي من كل آفة وبلاء سلام ، ...
{ هي حتى مطلع الفجر } يحتمل أي تلك البركات التي ذكرت إلى مطلع الفجر ، ويحتمل ذلك السلام الذي ذكر إلى مطلع الفجر ، ويحتمل الملائكة ، يكونون في الأرض إلى مطلع الفجر ...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يعني هي خير كلها ، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر ....
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والسلام : مصدر أو اسم مصدر معناه السلامة قال تعالى : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } [ الأنبياء : 69 ] . ويطلق السلام على التحية والمِدحة ، وفسر السلام بالخَيْر ، والمعنيان حاصلان في هذه الآية ، فالسلامة تشمل كل خير لأن الخيْر سلامة من الشر ومن الأذى ، فيشمل السلامُ الغفرانَ وإجزال الثواب واستجابة الدعاء بخير الدنيا والآخرة . والسلام بمعنى التحية والقول الحسن مراد به ثناء الملائكة على أهل ليلة القدر كدأبهم مع أهل الجنة فيما حكاه قوله تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } [ الرعد : 23 ، 24 ] . وتنكير { سلام } للتعظيم . وأخبر عن الليلة بأنها سلام للمبالغة لأنه إخبار بالمصدر . وتقديم المسند وهو { سلام } على المسند إليه لإِفادة الاختصاص ، أي ما هي إلا سلام . والقصر ادعائي لعدم الاعتداد بما يحصل فيها لغير الصائمين القائمين ، ثم يجوز أن يكون { سلام هي } مراداً به الإِخبار فقط ، ويجوز أن يراد بالمصدر الأمرُ ، والتقدير : سلِّمُوا سلاماً ، فالمصدر بدل من الفعل وعدل عن .. عن نصبه إلى الرفع ليفيد التمكن مثل قوله تعالى : { قالوا سلاماً قال سلام } [ الذاريات : 25 ] . والمعنى : اجعلوها سلاماً بينكم ، أي لا نزاع ولا خصام . ...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
هذا واعلم أنه يسن الدعاء في هذه الليلة المباركة، وهي أحد أوقات الإجابة. وأخرج الإمام أحمد والترمذي، وصححه والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قلت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول؟ قال: " قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". ويجتهد فيها بأنواع العبادات من صلاة وغيرها. وقال سفيان الثوري: الدعاء في تلك الليلة أحب من الصلاة. ثم أفاد أنه إذا قرأ أو دعا كان حسناً. وكان صلى الله عليه وسلم يجتهد في ليالي شهر رمضان ويقرأ فيها قراءة مرتلة؛ لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا تعوذ. وذكر ابن رجب أن الأكمل الجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكر، وقد كان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك كله لا سيما في العشر الأواخر ...
قوله : { سلام هي حتى مطلع الفجر } هي في محل رفع مبتدإ . سلام خبر مقدم {[4840]} . والمعنى : إن ليلة القدر بفضلها وبركتها سلام من الشر كله ، من أول الليلة إلى طلوع فجرها ، فهي خير كلها إلى مطلع فجرها .
وقد اختلف العلماء في تعيين ليلة القدر . والذي عليه أكثرهم أنها ليلة سبع وعشرين . ومن علامات هذه الليلة المباركة أن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ليلة القدر : " إن من أماراتها أنها ليلة سمحة بلجة ، لا حارة ولا باردة ، تطلع الشمس صبيحيتها ليس لها شعاع " .
وفي الصحيحين في فضلها : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه " ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من صلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة من ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر " ، وقالت عائشة ( رضي الله عنها ) : قلت : يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فما أقول ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " {[4841]} .