تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

77

المفردات :

وضرب لنا مثلا : أورد في شأننا قصة عجيبة هي في غرابتها كالمثل ، إذا أنكر إحياءها للعظام النخرة .

الرميم : البالي أشد البلى كالرمّة والرفات .

التفسير :

78- { وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم } .

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن أبيّ بن خلف ( الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ) جاء هذا الرجل في مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم ، وهو يفتته ويذرّيه في الهواء ويقول : يا محمد ، أتزعم أن الله يبعث هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " نعم يميتك الله تعالى ، ثم يبعثك ، ثم يحشرك إلى النار " ، ونزلت هذه الآية إلى آخر السورة .

ومعنى الآية :

إن الإنسان الكافر المسمى أبيّ بن خلف 36 قد استبعد البعث ، ونسي أن الله خلقه من مني يمنى وأنّه قادر على بعثه وحسابه ، فعمد إلى عظم رميم فتته وذرّاه في الريح ، وقال يا محمد : أتزعم أن ربك يبعث هذا بعدما رمّ وبلى وصار ترابا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم ، ويبعثك ويدخلك النار " ، والمثل يطلق على القصة العجيبة الغريبة ، والموضوع أشبه بالقصة ، أو الأمر العجيب بالنسبة للكفار ، حيث اعتقدوا أن الموت يترتب عليه وهن العظام ، واستبعاد الحياة ، فكان البعث أشبه بالشيء العجيب بالنسبة لهم .

انظر إلى قوله تعالى : { وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد . . . }[ السجدة : 10 ] .

وقوله أيضا على طريق الحكاية : { أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون* أو آباؤنا الأولون } . ]الواقعة : 47-48 ]

وقد ناقش القرآن الكريم هذا الموضوع ، وقدم أدلة متعددة على إمكان البعث والحشر والحساب ، والجزاء ، وبيّن أنّه بدون ذلك يصبح الخلق عبثا ، فالدنيا ليست دار جزاء ، فقد ينجح الفاجر والمرتشي والوصولي ، وقد يستشهد الشخص الفاضل الفدائي ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، فلا بدّ من دار جزاء عادل ، هي الدار الآخرة .

قال تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } . [ المؤمنون 115 ، 116 ] .

وقريب من ذلك قوله تعالى : { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } . [ البقرة : 259 ] .

وإجمال معنى الآية :

إن بعض المشركين استبعد إعادة الحياة للأجساد وللعظام الرميم ، ونسوا أنفسهم ، وأنه تعالى خلقهم من العدم ، فكيف هم بعد هذا يستبعدون أو يجحدون .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

رميم : البالي من كل شيء .

ثم ضرب مثلا ينكر به قدرتنا على إحياء العظام بعد أن تبلى ، ونسيَ أنا خلقناه من العدم ! { قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ } : قال مجاهد وعكرمة وعمرو بن الزبير وقتادة : « جاء أُبَيّ بن خلف ( وهو من كبار مشركي مكة ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي يده عظم يفتُّه بيده ويذروه في الهواء ويقول : أتزعم يا محمد ، أن الله يبعث هذا ؟ فقال الرسول الكريم : نعم ، يُميتك الله ثم يبعثك ثم يحشُرك الى النار » ونزلت هذه الآية .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ} (78)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه " أي ونسي أنا أنشأناه من نطفة ميتة فركبنا فيه الحياة . أي جوابه من نفسه حاضر ؛ ولهذا قال عليه السلام : ( نعم ويبعثك الله ويدخلك النار ) ففي هذا دليل على صحة القياس ؛ لأن الله جل وعز احتج على منكري البعث بالنشأة الأولى . " قال من يحيى العظام وهي رميم " أي بالية . رم العظم فهو رميم ورمام . وإنما قال رميم ولم يقل رميمة ؛ لأنها معدولة عن فاعلة ، وما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن إعرابه ؛ كقول : " وما كانت أمك بغيا " [ مريم : 28 ] أسقط الهاء ؛ لأنها مصروفة عن باغية .