تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

نداء إلهي

بسم الله الرحمان الرحيم

{ يا أيها المزّمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص منه قليلا 3 أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا 4 إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 إن ناشئة الليل هي أشدّ وطئا وأقوم قيلا 6 إن لك في النهار سبحا طويلا 7 واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا 8 رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا 9 }

المفردات :

المزمل : المتلفّف بثيابه ( النبي صلى الله عليه وسلم ) .

الليل : من غروب الشمس إلى طلوع الفجر .

نصفه وانقص منه قليلا : انقص من النصف قليلا إلى الثلث .

أو زد عليه : إلى الثلثين ، والمراد به التخيير بين قيام النصف ، والناقص منه ، والزائد عليه ، فهو صلى الله عليه وسلم مخيّر بين قيام ثلث الليل أو نصفه أو ثلثيه .

رتّل القرآن : اقرأه بتمهّل وتبيين حروف .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4- يا أيها المزّمل* قل الليل إلا قليلا* نصفه أو انقص منه قليلا* أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا .

أول ما بدئ به صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو في غار حراء ، يتعبد فيه الليالي ذوات العدد ، ثم يعود إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فجأه الوحي وهو في غار حراء ، حيث ضمّه الملك ضمّا شديدا حتى بلغ منه صلى الله عليه وسلم الجهد ، وأرسله فقال : اقرأ . قال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ ، أي لا يعرف القراءة ، وتكرر ذلك ثلاث مرات .

ثم قال له : اقرأ باسم ربك الذي خلق . ( العلق : 1 ) .

وعاد صلى الله عليه وسلم إلى مكة فدخل على خديجة ، وأخبرها الخبر ، ثم قال : ( زمّلوني ، دثّروني ) . أي : غطوني ولفّوني في ثياب ، ليهدأ روعه صلى الله عليه وسلمi .

وسورة المزمّل هي السورة الرابعة في النزول ، سبقتها سورة العلق ، ثم ن ، ثم المدّثر ، ثم نزلت المزمّل .

يا أيها المزمل .

يا أيها المتلفف بثيابه .

وقيل : كان ذلك تذكيرا له باللحظة التي كان فيها بعد نزول الوحي أوّل مرة ، وناداه الله بذلك تأنيسا لقلبه ، وملاطفة له .

وقيل : يا أيها المزمّل بالنبوة ، والملتزم بالرسالة .

قم الليل إلا قليلا .

شمّر عن ساعد الجدّ ، واهجر المنام ، واستعدّ للقيام بين يدي الملك العلام ، إنها فترة الإعداد لتلقي الوحي ، والجهاد في سبيل تبليغ الرسالة ، وهذه المهمة تحتاج إلى تعبئة روحية ، وشدة اتصال بين المخلوق والخالق ، أي : استعدّ لقيام الليل ، إلا القليل منه تقضيه في النوم والراحة ، للاستعانة بذلك على تبليغ الرسالة .

نصفه أو انقص منه قليلا

أي : قم نصف الليل ، أو أقل من النصف قليلا ، وهو الثلث .

أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا .

أو زد على النصف إلى الثلثين ، فخيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قيام نصف الليل ، أو أقل منه قليلا وهو الثلث ، أو أزيد من النصف وهو الثلثان .

وقيل : خيّر بين قيام نصف الليل ، أو ربعه ، أو ثلاثة أرباعه ، والرأي الأوّل أولى .

ورتّل القرآن ترتيلا .

اقرأ القرآن في عناية وترتيل وتبيين ، وتجميل للصوت ، وأداء حسن ، فإن ذلك أعون على تبيّن المعاني ، وانشغال القلب مع اللسان .

روى الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( زينوا القرآن بأصواتكم ) .

وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن )ii .

أي : يحسّن صوته ويجمّله ، ويهذّبه ويجوّده ، ليعظّم تأثير القرآن في قلوب سامعيه .

وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري : ( لقد أعطيت مزمارا من مزامير آل داود ) . iii . فقال أبو موسى الأشعري : يا رسول الله ، لو كنت أعلم أنك تسمع لحبّرته لك تحبيرا .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

رتّلِ القرآن ترتيلا : اقرأه على مهل وبين حروفه بوضوح .

أو زِدْ عليه بقدْرِ ما تستطيع ، واقرأ القرآن ببيانٍ ووضوحٍ وترتيب . . . . وهذا قبل أن تُفرضَ الصلواتُ الخمس .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } أي : على النصف ، فيكون الثلثين ونحوها . { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر ، وتحريك القلوب به ، والتعبد بآياته ، والتهيؤ والاستعداد التام له ،

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أو زد عليه } على النصف إلى الثلثين ، خيره بين هذه المنازل ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير ، وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى نصف الليل ومتى الثلثان ، فكان الرجل يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهم الله تعالى وخفف عنهم ونسخها بقوله : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى }( المزمل-20 ) الآية . فكان بين أول السورة وآخرها سنة .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرايني ، أنبأنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا يحيى بن بشر ، حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام قال : " انطلقت إلى عائشة فقلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى ، قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ، قلت : فقيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم المؤمنين ؟ قالت : ألست تقرأ : { يا أيها المزمل } قلت : بلى ، قالت : فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء ، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد الفريضة " . قال مقاتل وابن كيسان : كان هذا بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس . { ورتل القرآن ترتيلاً } قال ابن عباس : بينه بياناً . وقال الحسن : اقرأه قراءة بينة . وقال مجاهد : ترسل فيه ترسلاً . وقال قتادة : تثبت فيه تثبتاً . وعن ابن عباس أيضاً : اقرأه على هينتك ثلاث آيات أو أربعاً أو خمساً .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا هشام عن قتادة قال : " سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كانت مداً ، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد بسم الله ، ويمد الرحمن ويمد الرحيم " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا عمرو بن مرة قال : سمعت أبا وائل قال : " جاء رجل إلى ابن مسعود ، قال : قرأت المفصل الليلة في ركعة ، فقال : هذاً كهذا الشعر ؟ لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة " .

أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد بن مثويه ، أنبأنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي الحسين الحراني فيما كتبه إلي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن حميد الواسطي ، حدثنا زيد بن آجروم ، حدثنا محمد بن الفضل ، حدثنا سعيد بن زيد ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله -يعني ابن مسعود- قال : لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة " .

أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد بن منويه ، أنبأنا الشريف أبو القاسم علي ابن محمد بن علي الحسين الحراني كتب إلي ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، حدثنا أبو محمد بن يحيى بن محمد بن ساعد ، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، حدثنا ابن المبارك الحنبلي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبانا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحرث ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن عبيدة وهو أخوه عن سهل بن سعد الساعدي قال : " بينا نحن نقرأ إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر ، والأسود ، والأبيض ، اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي أقوام يقرؤونه ، يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيهم ، يتعجلون آخره ولا يتأجلونه " .

أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنبأنا أبو محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن إسماعيل بن مسلم العبدي ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة " . رواه أبو ذر ، قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى أصبح بآية والآية : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }( المائدة- 118 ) .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أو زد عليه } {[69392]}أي على{[69393]} النصف قليلاً كالسدس مثلاً ، فيكون الذي تقومه الثلثين مثلاً ، وعلى كل تقدير من هذه التقادير يصادف القيام - وهو لا يكون إلا بعد النوم : الوقت الذي يباركه الله بالتجلي فيه-{[69394]} فإنه صح أنه ينزل سبحانه عن-{[69395]} أن يشبه {[69396]}ذاته شيئاً{[69397]} أو نزوله نزول{[69398]} غيره بل-{[69399]} هو كناية عن فتح باب السماء الذي هو كناية عن وقت استجابة الدعاء - حين يبقى ثلث الليل - وفي رواية : حين{[69400]} يبقى شطر الليل الآخر - إلى سماء الدنيا فيقول : هل من سائل فأعطيه ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من كذا هل من كذا حتى يطلع الفجر . وكان هذا القيام في أول الإسلام فرضاً عليهم على التخيير بين{[69401]} هذه المقادير الثلاثة فكانوا يشقون على أنفسهم ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، وكذا بعض أصحابه رضي الله تعالى عنهم واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم ، وكان هذا قبل فريضة الخمس ، فنزل آخرها بالتخفيف بعد سنة

( علم أن لن تحصوه }[ المزمل : 20 ] الآيات ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة .

ولما أمر بالقيام وقدر وقته وعينه ، أمر بهيئة التلاوة على وجه عام للنهار معلم بأن القيام بالصلاة التي روحها القرآن فقال : { ورتل القرآن } أي اقرأه على تؤدة و-{[69402]}بين حروفه بحيث يتمكن السامع من عدها و-{[69403]} حتى يكون المتلو شبيهاً بالثغر المرتل وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان{[69404]} ، فإن ذلك موجب لتدبره فتكشف له مهماته وينجلي عليه أسراره وخفياته ، قال ابن مسعود رضي الله عنه{[69405]} : ولا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر ، ولكن قفوا عند عجائبه وحركوا به{[69406]} القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة . روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قام حتى أصبح بآية ، والآية{[69407]} { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } " [ المائدة : 118 ] ولما أعلم سبحانه بالترتيل أعلم بشرفه بالتأكيد بالمصدر فقال : { ترتيلاً * } .


[69392]:من ظ و م، وفي الأصل: أو زد عليه وهو.
[69393]:من ظ و م، وفي الأصل: أو زد عليه وهو.
[69394]:زيد من ظ و م.
[69395]:زيد من ظ و م.
[69396]:من ظ و م، وفي الأصل: لشيء.
[69397]:من ظ و م، وفي الأصل: لشيء.
[69398]:من ظ و م، وفي الأصل: كنزول.
[69399]:زيد من ظ و م.
[69400]:من ظ و م، وفي الأصل: حتى.
[69401]:من ظ و م، وفي الأصل: في.
[69402]:زيد من م.
[69403]:من ظ و م، وفي الأصل: الأفق.
[69404]:من ظ و م، وفي الأصل: عنه.
[69405]:راجع المعالم 5/138.
[69406]:من ظ و م، وفي الأصل: له.
[69407]:118/المائدة.