تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

1

المفردات :

ما يجادل : ما يخاصم .

فلا يغررك : فلا يخدعك عيشهم سالمين .

تقلبهم في البلاد : التصرُّف والتنقل في بلاد الشام واليمن بالتجارات الرابحة ، فإن عاقبتهم النار والهلاك .

التفسير :

4- { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } .

سبب النزول :

أخرج ابن أبي حاتم ، قال : نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي .

وتفيد آيات القرآن الكريم ، والسيرة المطهرة أن الجدال نوعان :

جدال بالحق لتبيّن آيات القرآن وتفهم معناها ، وهو نقاش محمود .

وجدال بالباطل ، مثل قولهم : إن القرآن سحر وشعر وكهانة ، وأساطير الأولين وافتراء من عند محمد ، محاولة من كفار مكة وأغنيائها لتقرر الباطل ، ودحض الحق ، وإبطال الإيمان ، بالاعتماد على الشبهات بعد وضوح الحق ، وسطوع حجة البيان القرآني ، والإعجاز لكتاب الله ، وقد كان كفار مكة يسخرون من المؤمنين ، ويحاولون تشكيك المسلمين في عقيدتهم ، ويوجّهون التهم الكاذبة إلى الإسلام والقرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

ومعنى الآية :

ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا ، فلا يخدعك أيها الرسول الأمين تقلبهم في البلاد ، بين الشام واليمن في تجارة رابحة ، مع تمتعهم بالغنى والجاه والأمن والرفعة في الدنيا ، لأن ذلك إمهال لهم وليس إهمالا ، فسوف يرون الهلاك في الدنيا ، والعذاب في الآخرة .

وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد } ( آل عمران 196 ، 197 ) .

ويقول سبحانه : { نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ } . ( لقمان : 24 ) .

وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . {[615]}

ولقد كان القرآن يحاور المشركين بالحق ، فيلفت أنظارهم إلى الكون وما فيه ، ويستحضر أمامهم حقائق التاريخ ، ومشاهد القيامة ، رجاء هدايتهم ، وأحيانا يدفعهم الكبر عن قبول الحق ، وبيّن أن تكذيب المترفين وعناد المتكبرين أمر عرفته البشرية في تاريخها الطويل ، فليس تكذيب أهل مكة بدعا أو غريبا عن تكذيب الكافرين لرسلهم .


[615]:إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته: رواه البخاري في التفسير: باب قوله {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} (4409)، ومسلم في البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم (2583) وابن ماجة في الفتن باب العقوبات (4018) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته". قال: ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

قوله تعالى : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، والمراد الجدال بالباطل ، من الطعن فيها ، والقصد إلى إدحاض الحق ، وإطفاء نور الله تعالى . وقد دل على ذلك في قوله تعالى : " وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " . [ غافر :5 ] . فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكلها ، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ، ورد أهل الزيغ بها وعنها ، فأعظم جهاد في سبيل الله . وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " عند قوله تعالى : " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " {[13356]} [ البقرة : 258 ] مستوفى . " فلا يغررك تقلبهم في البلاد " " فلا يغررك " وقرئ : " فلا يغرك " " تقلبهم " أي تصرفهم " في البلاد " فإني إن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم . قال ابن عباس : يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن . وقيل : " لا يغررك " ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا . وقال الزجاج : " لا يغررك " سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك . وقال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن : قوله : " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " ، وقوله : " وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد " [ البقرة : 176 ] .


[13356]:راجع ج 3 ص 283 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (4)

قوله : { مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } الجدال معناه الخصام . والمراد ههنا : الذي يخاصم في تكذيب آيات الله ؛ وذلك هو الجدال بالباطل ابتغاء الطعن في دين الله أو تنفيذ آياته ودحضها ، وإطفاء نور الله سبحانه ؛ وذلك هو ديدن الأشقياء المضلين في كل زمان . أولئك الذين يخاصمون في آيات الكتاب الحكيم أو في دينه العظيم سواء في ذلك عقيدة الإسلام أو تشريعه أو ما ارتبط به من القيم والأحكام والمعاني والأخبار والسِّيَر ، فالأشقياء من المتربصين والحاقدين والمتعصبين يكيدون للإسلام بالطعن في أحكامه وآياته ومقاصده وتاريخه ، يريدون بذلك تشويه الإسلام لينفر منه الناس نفورا ويزهدوا فيه ويجتنبوه أيما اجتناب . وذلكم هو خصام المضلين المغرضين في آيات الله . وذلك بخلاف الجدال في آيات الله من أجل إيضاح ما التبس منها أو أشكل ، ولتفنيد ما يفتريه المبطلون من خصوم الإسلام على هذا الدين ، أو ما كان للبحث عن الراجح والمرجوح أو لتبيين المحكم والمتشابه فمثل ذلك جهاد عظيم في سبيل الله .

قوله : { فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ } ينهى الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عن الاغترار بتصرف هؤلاء في البلاد فيما يفعلون من التجارب وتحصيل الأرباح وجمع الأموال الكثيرة وما هم فيه من الخير وسعة الحظوظ الدنيوية ، فذلك كله متاع صائر إلى زوال{[4002]} .


[4002]:الكشاف ج 3 ص 415 وتفسير النسفي ج 4 ص 69