علم للساعة : علامة لها يعلم قربها بنزوله من السماء عليه السلام .
فلا تمترن : فلا تشكن في قيامها .
61- { وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم } .
وإن عيسى عليه السلام من علامات الساعة ، فلا تشكوا في مجيء القيامة ، واتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم في هديه وشرعه ودينه فإنه على الصراط المستقيم ، والطريق الموصل إلى الله تعالى ومرضاته .
وقد أفادت كتب التفسير مثل القرطبي وابن كثير والقاسمي وغيرهم ، تواتر الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا ، كما ورد في علم التوحيد نزول المسيخ الدجال رمزا للشر والفتنة ، حيث يعطيه الله إمكانات واسعة وانتصارا مؤقتا ، ثم ينزل المسيح عليه السلام فيطارد المسيخ الدجال حتى يقتله ، ويؤيد المسيح عليه السلام شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
أخرج الإمام مالك ، والشيخان ، وأبو داود ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها )14 .
وأخرج الإمام مسلم ، عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، فينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم : تعالى صل لنا ، فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله تعالى لهذه الأمة )15 .
والمسيح غيب من الغيب الذي حدثنا عنه الصادق الأمين ، وأشار إليه القرآن الكريم ، ولا قول لبشر فيه إلا ما جاء في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة .
وفي قراءة أخرى : { وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم } .
وعلم –بفتحتين- أي : أمارة ودليل على مجيء القيامة ، لأن الله ينزله إلى الأرض قبل قيام القيامة ، فلا تشكن في وقوع القيامة .
وقال السدي : لا تكذبوا بها ولا تجادلوا فيها ، فإنها كائنة لا محالة .
حيث كان كفار مكة يشكون في البعث ، والقرآن هنا يدعوهم إلى اليقين ، وكانوا يترددون عن الهدى والقرآن يدعوهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إتباعه ، فإنه يسير بهم في الطريق المستقيم القاصد الواصل الذي لا يضل سالكوه . اه .
قوله تعالى : " وإنه لعلم للساعة " قال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير : يريد القرآن ؛ لأنه يدل على قرب مجيء الساعة ، أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها .
وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة أيضا : إنه خروج عيسى عليه السلام ، وذلك من أعلام الساعة . لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة ، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة . وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك " وإنه لعلم للساعة " ( بفتح العين واللام ) أي أمارة . وقد روي عن عكرمة " وإنه للعلم " ( بلامين ) وذلك خلاف للمصاحف . وعن عبد الله بن مسعود . قال : لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا الساعة فبدؤوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم ، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم ، فرد الحديث إلى عيسى ابن مريم قال : قد عهد إلي فيما دون وجبتها فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله عز وجل ، فذكر خروج الدجال - قال : فأنزل فأقتله . وذكر الحديث ، خرجه ابن ماجة في سننه . وفي صحيح مسلم [ فبينما هو - يعني المسيح الدجال - إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مَهْرُودَتَيْن{[13659]} واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله . . . ]{[13660]} الحديث . . .
وذكر الثعلبي والزمخشري وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء على ثنية من الأرض المقدسة يقال لها أفيق{[13661]} بين ممصرتين{[13662]} وشعر رأسه دهين وبيده حربة يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به ] . وروى خالد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم إنه ليس بيني وبينه نبي وإنه أول نازل فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل الناس على الإسلام ] . قال الماوردي : وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا إذا نزل عيسى رفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم . وهذا قول مردود لثلاثة أمور . منها الحديث ، ولأن بقاء الدنيا يقتضي التكليف فيها ، ولأنه ينزل آمرا بمعروف وناهيا عن منكر . وليس يستنكر أن يكون أمر الله تعالى له مقصورا على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه .
قلت : ثبت في صحيح مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لينزلن عيسى بن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد ] . وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ] وفي رواية [ فأمكم منكم ] قال ابن أبي ذئب : تدري [ ما أمكم منكم ] ؟ قلت : تخبرني ، قال : فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فهذا نص على أنه ينزل مجددا لدين النبي صلى الله عليه وسلم للذي درس منه ، لا بشرع مبتدأ والتكليف باق ، على ما بيناه هنا وفي كتاب التذكرة .
وقيل : " وإنه لعلم للساعة " أي وإن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى . قاله ابن إسحاق .
قلت : ويحتمل أن يكون المعنى " وإنه " وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة ، بدليل قوله عليه السلام : [ بعثت أنا والساعة كهاتين ] وضم السبابة والوسطى ، خرجه البخاري ومسلم . وقال الحسن : أول أشراطها محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : " فلا تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم " " فلا تمترن بها " فلا تشكون فيها ، يعني في الساعة ، قاله يحيى بن سلام . وقال السدي : فلا تكذبون بها ، ولا تجادلون فيها فإنها كائنة لا محالة . " واتبعون " أي في التوحيد وفيما أبلغكم عن الله . " هذا صراط مستقيم " أي طريق قويم إلى الله ، أي إلى جنته . وأثبت الياء يعقوب في قوله : " واتبعون " في الحالين ، وكذلك " وأطيعون " . وأبو عمرو وإسماعيل عن نافع في الوصل دون الوقف ، وحذف الباقون في الحالين .
قوله : { وإنه لعلم للساعة } المراد خروج عيسى عليه الصلاة والسلام إلى الدنيا وذلك شرط من أشراط الساعة ، فإن الله ينزله من السماء إلى الأرض قبيل قيام الساعة . وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إمام عادلا وحكما مقسطا . قوله : { فلا تمترن بها } أي لا تشكوا في قيامها فإنها واقعة لا محالة . قوله : { واتبعون } أي فيما أمرتكم بفعله وانتهوا عما نهيتكم عنه { هذا صراط مستقيم } أي ما أدعوكم إليه من الحق والتوحيد والإذعان لله بالطاعة لهو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه والذي يفضي إلى السعادة والنجاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.