{ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين . . . . }
لقد أتقن وأبدع كل شيء خلقه في هذا الكون فالطير في الهواء والسمك في الماء والشمس والقمر والليل والنهار والهوام والنبات والإنسان بل حتى العين والأنف والأذن واللهاة والأصابع والأجهزة المتعددة في جسم الإنسان مثل : الجهاز الهضمي والجهاز العصبي والجهاز اللمفاوي كل شيء خلقه الله آية في الإبداع والجمال وأداء الوظيفة التي يؤديها فهو سبحانه بديع السماوات والأرض .
قال تعالى : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ( آل عمران : 190-191 ) .
وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون . ( الذاريات : 20-23 ) .
فآيات الإبداع والجمال والإتقان ظاهرة في كل شيء في السماء والأرض والإنسان والحيوان والنبات والدنيا والآخرة كل ذلك بيد الله الذي أحسن كل شيء خلقه . . . . أي أتقن وأبدع الخلق لكل مخلوقاته .
انظر . . . هذه النحلة ، هذه الزهرة هذه النجمة هذا الليل هذا الصبح ، هذه الظلال هذه السحب هذه الموسيقى السارية في الوجود كله هذا التناسق الذي لا عوج فيه ولا فطورا " . v
كل ذلك بيد الخالق المبدع قال تعالى : وخلق كل شيء فقدره تقديرا . ( الفرقان : 2 ) .
وقال تعالى : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت . . . ( الملك : 2 ) .
فسبحان الله والحمد لله على جليل نعمائه وهدايته الذي خلق وأبدع وقدم الهداية للإنسان ليتأمل في هذا الكون البديع وفي نفسه وخلقه .
{ وبدأ خلق الإنسان من طين . . . }
وبدأ خلق آدم أبي البشر من طين والطين مكون من ماء وتراب .
وعند التأمل نجد أن القرآن الكريم تحدث عن خلق الإنسان من تراب ومن طين ومن سلالة ومن حمأ مسنون ومن صلصال كالفخار وكلها مراحل مر بها خلق الإنسان حيث كان ترابا ثم خلط بالماء فتحول إلى طين ثم ترك الطين فترة فتحول إلى حمأ مسنون ثم تحول إلى صلصال كالفخار . ثم نفخت فيه الروح .
قوله تعالى : " الذي أحسن كل شيء خلقه " قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر : " خلقه " بإسكان اللام . وفتحها الباقون . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم طلبا لسهولتها . وهو فعل ماض في موضع خفض نعت ل " شيء " . والمعنى على ما روي عن ابن عباس : أحكم كل شيء حلقه ، أي جاء به على ما أراد ، لم يتغير عن إرادته . وقول آخر - أن كل شيء خلقه حسن ؛ لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بمثله ، وهو دال على خالقه . ومن أسكن اللام فهو مصدر عند سيبويه ؛ لأن قوله : " أحسن كل شيء خلقه " يدل على : خلق كل شيء خلقا . فهو مثل : " صنع الله " {[12646]} [ النمل : 88 ] و " كتاب الله عليكم " {[12647]} [ النساء : 24 ] . وعند غيره منصوب على البدل من " كل " أي الذي أحسن خلق كل شيء . وهو مفعول ثان عند بعض النحويين ، على أن يكون معنى : " أحسن " أفهم وأعلم ، فيتعدى إلى مفعولين ، أي أفهم كل شيء خلقه . وقيل : هو منصوب على التفسير ؛ والمعنى : أحسن كل شيء خلقا . وقيل : هو منصوب بإسقاط حرف الجر ، والمعنى : أحسن كل شيء في خلقه . وروي معناه عن ابن عباس و " أحسن " أي أتقن وأحكم ، فهو أحسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها . ومن هذا المعنى قال ابن عباس وعكرمة : ليست است القرد بحسنة ، ولكنها متقنة محكمة . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد " أحسن كل شيء خلقه " قال : أتقنه . وهو مثل قوله تبارك وتعالى : " الذي أعطى كل شيء خلقه " {[12648]} [ طه : 50 ] أي لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ، ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان . ويجوز : " خلقه " بالرفع ، على تقدير ذلك خلقه . وقيل : هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى . والمعنى : حسن خلق كل شيء حسن . وقيل : هو عموم في اللفظ والمعنى ، أي جعل كل شيء خلقه حسنا ، حتى جعل الكلب في خلقه حسنا ؛ قاله ابن عباس . وقال قتادة : في است القرد حسنة .
ولما ذكر{[54652]} صفة الرحيمية صريحاً لأقتضاء المقام إياها ، أشار إلى صفة الرحمانية فقال : { الذي أحسن {[54653]}كل شيء{[54654]} } ولما كان هذا الإحسان عاماً ، خصه بأن{[54655]} وصفه - على قراءة المدني والكوفي{[54656]} - بقوله : { خلقه } فبين أن ذلك بالإتقان والإحكام ، كما فسر ابن عباس{[54657]} رضي الله عنهما من حيث التشكيل والتصوير ، وشق المشاعر ، وتهيئة المدارك ، وإفاضة المعاني ، مع المفاوتة في جميع ذلك ، وإلى هذا أشار الإبدال في قراءة الباقين ، وعبر بالحسن لأن ما كان على وجه الحكمة كان حسناً وإن رآه {[54658]}الجاهل القاصر{[54659]} قبيحاً .
ولما كان الحيوان أشرف الأجناس ، وكان الإنسان أشرفه ، خصه بالذكر ليقوم{[54660]} دليل الوحدانية بالأنفس كما قام قبل بالآفاق{[54661]} ، فقال دالاً على البعث : { وبدأ خلق الإنسان } أي الذي{[54662]} هو المقصود الأول بالخطاب بهذا القرآن { من طين } أي مما ليس له أصل في الحياة بخلق آدم عليه السلام منه{[54663]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.